جسر المك نمر - رواية - الفصل الرابع

 البيت الكبير اكتملت جنباته، وحديقته بدت واضحة المعالم، بأشجارها التي تماسكت أغصانها وهي تزداد خضرة وتستجيب لمداعبات الريح، وكان العاملون قد شرعوا في زراعتها منذ تخطيط الأرض وقبل أن يوضع أساس السور المحيط بالبيت. موقعه على تلك الربوة المتاخمة لضفة النيل جعله مطلاً على عمق المدينة، بالرغم من بعده النسبي عن أحيائها السكنية، وكأنما تعمد الخواجة ذلك البعد ليعمق الفجوة بين وجدان المبروك وعائلته، وصديقه المكي أكبر أبنائه.

هو ما حدث في مقبل الأيام ، حين خرج المكي من خلوة أبيه منكسراً لا يقوى على النظر أمامه متنازع بين غضب دفين من قرار المبروك البقاء في داره مع زوجته وبقية أبنائه، ورغبته القوية في أن يخرص تلك الهمسات التي بدأت تتعالى حول علاقته بالخواجة. كان يأمل دعم والده له، خاصة وأن كثيرا من الهمهمات سرت في البلد عندما بدأ الخواجة يتقرب منه. لم يكترث المكي لتلك الهمهمات وهو يمضي بخطوات سريعة في تجارته، التي انفتحت على أبواب واسعة "ما كان يحلم بها إن هو اتكأ على سجادة والده" كما ظل يردد. وكعادة ممسكة برقاب وقلوب الناس يدور الهمس ولا يجهر به أحد، ولكنه منذ بدأ بناء بيته الكبير في تلك البقعة، وأشاع بأنه سيجعل جزءاً منه خلوة لأبيه أعلن الشيخ المبروك بأنه لا علاقة له بالمكي وأفعاله بعد أن تسبب همس الناس جهراً في تعاسته، وفتح إبنه كعباً فيه سيمكن السهام الطائشة من إصابته دون شك.

الآن هو خارج من خلوة أبيه، وذلك الرفض القاسي والكلمات الشديدة الملوحة التي وضعها المبروك على جروح روحه زادت من حدة آلام وهيجانها، جروح لطالما حاول أن يتجاهلها راسماً على ملامح وجهه إبتسامة ساخرة غير مبالية. تضاءلت آمال المكي مكتفياً بالإلحاح على حضور المبروك الدعوة الكبيرة التي خطط لها بمناسبة إنتقاله لبيته الجديد، لكنه اصطدم أيضاً بحائط الرفض من جانبه:

- يمكن أن تحضر أمك وإخوتك لمساعدتك في هذا اليوم، أما أنا سأكون في خلوتي هنا.. سأدعو لك الله بالهداية.

لم يكن حضور أمه وأخوته ليطفئ جذوة تلك النار المتقدة في صدره لتلك الجفوة بينه وأبيه، ولا أن يحقق آماله في ذلك الدعم الذي يحققه حضوره بنفسه ومباركته خطوات إبنه. وقد كان يوماً مشهوداً من أيام المدينة نحر فيه المكي ما طالته يداه من الشياه والعجول، لم يكن ليبخل على أحد أو يستثني أحداً.. وجه دعوته لكل أهل المنطقة وجاءته وفود من خارج المنطقة، يريدهم بذلك أن يشهدوا على إنتقاله إلى تلك الربوة العالية قرب النهر. كان أكثر احتفاء بالشيوخ والصالحين والفقهاء الذين جاءوا تحف كل منهم حاشيته ومريديه بطبولهم وراياتهم.

الشيخ المنصور جاء أيضاً، بل كان أول الحاضرين، فهو والد السيدة صاحبة هذا القصر، جاء رغم الجفوة التي بينه وبين المبروك. فالمبروك ما كان يريد لإبنه أن يتزوج إبنة المنصور "لأنه رجل مفسد وفاسد" كما ظل يردد، لكنه رضخ لرغبة إبنه في النهاية عندما تبين نذر خلاف بينهما فضل أن يتجاوزها، وعسى أن تحمل هذه الخطوة بعض الخير لإبنه وللعلاقة بينه والمنصور. جاء المنصور مملوءاً برائحة انتصار على غريمه القديم، وعندما علم بغياب المبروك إزدادت سعادته وصار يتحرك داخل أروقة البيت الكبير بلا تحفظ ويستقبل مع المكي ضيوفه، بل يستقبلهم متجاوزاً المكي أحياناً طاغياً على وجوده.

المكي تعلو وجهه السعادة وهو يستقبلهم محاولاً الإحتماء بذلك الحشد الكبير، إنه يحتمي بهم الآن ويخفي جفاء أبيه له وسط الضجة التي يثيرونها أثناء قدومهم. كان من بين الحضور من يكن عداء للمبروك.. جاء ليشهد إنكسار النظرة في عينيه وهزيمته في إبنه، بعد أن ظل يتطاول عليهم بلسانه في مجالس أهل العلم ويدمغهم بخدمة السلطان وبطانته. بعضهم جاء بدافع الفضول ليرى البيت الكبير من الداخل، وكثيرون منهم جاءوا كما في كل المناسبات فهي فرصة يكسرون فيها رتابة الحياة التي يعيشونها وتلك مناسبة فوق العادة. هناك من جاء بدافع الغيظ والحسد لا على المبروك، ولكن على المكي نفسه الذي قفز بتلك السرعة إلى عالم الأثرياء ، حتى إن أحد هؤلاء قال جهراً وسط ذلك الحشد:

- لولا خيابة المكي وخدمته للتُرك ما كان ملك الخدم والحشم ولا كان وصل للعز ده.

همس أحدهم في خبث وكأنه يخاطب نفسه:

- لو كان خدمة المكي للترك بتسوي كده كان كتار وصلوا للعز ده زمان، دي خدمة تانية ما بتتقال ولا بتنحكي.

- تُرك شنو.. وخدمة شنو؟ ده كلو بينتهي قريب، إنتو ما سمعتوا الحاصل؟ الدراويش ما خلو ليهم أضان حمرا، وبيقولوا زاحفين علي ناحيتنا.

وحين انحرف الحديث بهم إنحرافاً حاداً، قال أحد الجالسين في تلك الدائرة:

- انت عارف الاتراك بيحبوا الأولاد وما عندهم كبير غرض في النسوان.

إنتهرهم أحد الشيوخ وقد روعه ذلك الحديث الدائر:

- أعوذ بالله، إنتم يا ناس لا تخافون الله، هذا ولد شيخ المبروك، المكي ! لأنه كون له ثروة كبيرة تريدون أكل لحمه.

سرعان ما فرض البيت الكبير سطوته بعد أن صار من أكبر معالم تلك الناحية، ببناياته المتعددة وملامحه التي جاءت شبيهة بعمارة والي السلطان على البلاد. كان المكي سعيداً بداره وحياته الجديدة التي بدأت في الإزدهار. وبعد أن صار ذا نفوذ لا يضاهى في أوساط التجار بعلاقاته الواسعة مع أصحاب السلطة والنفوذ، لم يعد مهتماً كثيراً بما يدور حوله من حديث سراً كان أم جهراً. حياته الصاخبة طاغية الآن على ما عداها أثناء وجوده في البلدة، لا ينطفئ بريق ذلك الضجيج الذي يحدثه وجوده إلا حين يغادر خارجها، وكثيراً ما كان يغادرها لمتابعة أعماله. أما زوجته الأولى السرة بت حمد فقد آثرت الإنزواء ببناتها في جناحها الخاص وإحساس بالرضا يسد ثقوب عذاباتها مع المكي نفس ، فهي ما زالت في عصمته رغم أنها عصمة لا تغني من جوع ظل معلقاً داخل تجاويف عصبها الحي زمناً طويلاً ولا تجد سبيلاً لإشباعه فانطفأ لهيب نيرانها. لكن السيدة أمرها مختلف فهي الآن تشعر بالزهو، متجولة بين ردهات البيت الكبير وروحها منطلقة في أركانه المختلفة. بالكاد تسيطر على نفسها من الهمس لها  بأن كل هذا بناه الخواجة من أجلها".. لا تجرؤ تلك الفكرة أن تطل من بين ثنايا عقلها ولا حتى أثناء أحلامها، لكنها صارت ملكة الدار لا ينقصها صولجان الجمال بالرغم من إنتفاخ بطنها معلنة قدوم مولودها الثاني.

حتى الضفة الأخرى من النهر التي إختارها الخواجة مكاناً لرسو مركبه الخشبي .. فرض البيت الكبير سطوته عليه ، حيث جعل الموقع المطل عليه منطلقاً لممارسة عشقه للنيل والصي ، ولا يخلو الأمر من حرصه على المرور عند عودته لمتابعة سير العمل في البيت الكبير قبل اكتماله. ظل يفعل ذلك في أوقات فراغه التي حرص على أن يملأها بهوايته المحببة. بدت فضاءات ذلك المكان حينها خالية، سوى من ذلك المركب الخشبي الراسي المرسوم على جدران ذاكرة الناظرة العابرين كمشهد أزلي وهم يخترقون المسافة القليلة من القرى المجاورة إلى سوق المدينة أو العكس، وقد حملوا حوائجهم مخترقين أفقاً آخر يخصهم بعيداً عن تلك الضجة التي لا تستهويهم كثيراً. وتضج ذاكرة العابرين بمشهد الخواجة المشحون بعشق النيل وصيد السمك، وتعتمر بتلك القبعة التي يرتديها مع الشورت الكاكي ذو الجيوب العريضة ، وذلك القميص القصير الأكمام المفتوح الصدر دائماً، يلوحون له من بعيد إذا كان في وسط المياه وعلى مرمى بصرهم، ويقتربون منه إذا صادفوه أثناء وجوده على الشاطئ وهم ماضون في عبورهم الصباحي أو عائدون ، قبل أن ترمي الشمس بآخر أشعتها الذهبية على سطح المياه الجارية.

لا أحد يدري لماذا اختار الخواجة هذا المكان، منطلقاً منه لممارسة عشقه للنيل وللصيد، ولكنه لسان صغير ضحل من المياه مكَّنه من الرسو والإبحار دون مشقة تذكر، رغم ذلك لا يبعد المكان كثيراً عن عمق المدينة في الضفة الأخرى من النهر عندما اختاره، فهو لا يقوى على الذهاب أبعد من ذلك الطرف. 

وعندما قفز تساؤل فيه بعض من قلق على أطراف لسان الصبي عمران، وهو ممسك بالطرف الآخر للشبكة، عن سبب اختياره لذلك المكان الخالي والبعيد أثناء تلاعب موجة شاردة بمركبهما، قال له في ثقة، ونظراته تجس نبض الشاطئ الغربي مشيراً بيده اليمنى تجاه اللسان الممتد ساخراً من ارتفاع الضفة:

- أنا أحتاج للهدوء والسمك يحتاج للهدوء، وهنا سنلتقي.

أثناء ذلك الهدوء، الذي احتاج لسنوات عديدة حتى تهب العاصفة بعده، كان الشيخ المبروك قد مات وقلبه فائض بالحسرة التي كست ملامحها أطراف المقام الذي بناه له مريدوه في الطرف الشمالي من الزاوية التي قضى داخلها أغلب وقته في أيامه الأخيرة. مات بتلك الحمى التي لم تمهله طويلاً مثلما فعلت بالآخرين، تلك الحمى التي رصدت له كل الصور أثناء غيبوبته حد الهلوسة فكان لا ينطق حينها سوى همس الناس حول ما يدور في البيت الكبير. كتب في لوحه المحفوظ أنه سيموت في اليوم الذي سيأتي فيه السيدة المخاض. شيئ أشبه بقدر خرافي أن تغادر روحه يوم أن يطلق المنصور صرخته الأولى. تحققت رغبته أن لا يشهد تلك اللحظة التي ستضع فيها السيدة مولودها. كان يهذي أثناء غيبوبته بأشياء كثيراً ويردد باستمرار "أن لعنة هذا اليوم ستلازمكم طويلاً، إنها البذرة الملعونة التي ستستظلون تحت شجرتها دون أن تدركوا أنها لعنتكم"، كان ينتفض وهو يلاحق هواجس غيبوبته "اقطعوها، لا تتركوها لتكون يوماً ظلاً لكم، اقطعوها". 

كأن المكى ظل منتظراً تلك اللحظة للبكاء. بكاؤه اختلط مع بكاء جميع الذين شيعوا أباه إلى مثواه الأخير، لكنه بدموع مختلفة وأكثر غزارة لعلها تغسل ذلك الغضب عليه الذي خرج مع روح أبيه من جسده. لن تعود عجلة الزمن إلى الوراء ليتدارك الموقف وينال رضا والده، لم يفكر في الأمر إلا في تلك اللحظة، حين وجد نفسه سابحة داخل فراغ عريض وأنه موشك على الغرق. نسي أن زوجته قد وضعت طفلاً، ولم يلتفت إلى ترقب الناس لذلك اليوم. كانوا ينتظرون أن تضع السيدة طفلها، ليبدأوا همساً جديداً. هو أيضاً كان منتظراً ذلك اليوم ودواخله متنازعة غير مستقرة على حالة، لكن الحمى التي أصابت المبروك شغلته كثيراً إلى أن جاءت لحظة موته، ليجد نفسه في ذلك الفراغ غير مهتم بما يدور حوله.

إنها اللعنة، رغم أن المنصور جاء إلى الدنيا بملامح عادية. تنفس الناس الصعداء ارتياحاً من ثقل حملته صدورهم حتى ذلك اليوم، حتى الذين كانوا يشتهون غير ذلك تنفسوا الصعداء ووجوههم مليئة بتساؤلات لم تبرح تقاطيعها. وحدها السيدة، التي تعلم سر هذيان المبروك، أقلقها الأمر. وهي تعاني آلام مخاضها جاءتها أنباء احتضاره، لكن القلق ظل مسيطراً على صرخاتها المصاحبة للولادة فهي متوجسة من اللحظات القادمة. اللحظات التي ستقطع الشك باليقين عن الهمس الدائر حول علاقتها بالخواجة. خوف تجاوز بها تلك الآلام إلى نوع آخر من الأحاسيس لم تراودها من قبل. سبق لها أن وضعت إبنها البكر قبل عامين فهي ليست المرة الأولى التي تضع فيها حملها وتتنازعها آلام المخاض، لكنها الآن تتمنى الموت قبل أن تمزقها الألسن وتلاحقها اللعنة أينما توجهت. لم تفارقها هواجسها تلك إلا عندما قالت إحداهن وهي تحمل الطفل الذي لم يكف عن الصياح:

- شبه جده الخالق الناطق.

عند ذلك فقط تحللت اوصال السيدة مسترخيةً وفارقها التوتر والقلق مثل فقاعة ثقبت على حين غرة، عائدة إلى أجواء غرفتها المليئة بروائح شتى يغلب عليها رائحة النفاس. الآن فقط تملكها شعور بالإنتصار.. تعلم في غرارة نفسها إنه انتصار زائف على تلك النظرات الراغبة في إزاحتها عن كرسيها الملوكي. كثير من النساء أسرعن في الحضور حين ترامى إلى سمعهن أن القابلة تحمل أدواتها ومتجهة ناحية البيت الكبير في تلك العربة التي يجرها الحصان. لم ينتظرن دعوة من أحد، فهي العادة عندما يسمعن ببشرى خير أو يأتيهن الناعي بخبر وفاة أو لعيادة مريض. وهذا وضع استثنائي كن ينتظرنه منذ أن بدأ ثديا السيدة في الإمتلاء قبل أن يكتمل بناء البيت الكبير، وحينها الخواجة لا يكاد يغيب عن زيارته متفقداً كعادته موقع العمل ومتابعاً عمل المهندس التركي الذي كلفه بالإشراف على البناء.

أطلقت السيدة على وليدها إسم المنصور، تيمناً بإسم أبيها، قبل أن تعود فتحة مهبلها إلى وضعها الطبيعي ولم تكترث كثيراً لأخذ رأي زوجها المكي في ذلك، ولا كان هو سيهتم بذلك وعذابات ضميره منتصبة على رأس أبيه الميت في تلك اللحظة.

هزت الرضية رأسها منتفضة إثر قشعريرة أصابت بدنها وكأنما لفحة برد غشيتها في جلستها تلك. كانت تتناول فنجانها الثالث من القهوة التي أعدتها بسعادة ظاهرة، ترشفها بشفتيها من طرف الفنجان بصوت خفيض واضحة فيه المتعة والتلذذ. ثم أطلقت العنان لابتسامة عريضة ودخان سيجارتها يتصاعد من فمها معلقاً في المحيط حولنا، وقبل ان يتلاشى تماماً قالت لي:

- هل تدري من كانت تلك القابلة التي اجرت عملية الولادة للسيدة في ذاك اليوم؟

نظرت إليها في انتظار إجابتها دون أن أنطق بكلمة، فقالت:

- إنها أمي، أم زين. كانت أشهر قابلة في تلك الناحية من البلد، اختارتها السيدة دون الأخريات قبل أشهر من موعد ولادتها. كانت ستقتلها إن جاء المولود وفي جسده نقطة دم ظاهرة للخواجة، قالت لي أمي إنهما تواطأتا دون حديث صريح بينهما على ذلك، كانت السيدة ستموت والمولود أيضاً سيموت قبل أن يطلق صرخته الأولى، هكذا وقعتا اتفاقاً صامتاً بينهما وحصلت أمي على نصيبها مقدماً. لكن بعد ولادة المنصور صارت السيدة حاقدة على أمي بعد أن تجاوزت محنتها، فهي الوحيدة التي تمتلك مفتاح سرها الآن، لا أحد غيرها يمكنه النبش في تلك السيرة عن ثقة ويقين غيرها رغم أنهما لم تتحدثا صراحة حول ذلك. كل ما جرى كان حواراً صامتاً دون تفاصيل، لكنه كان اعترافاً ضمنياً من السيدة بأن مولودها سيفضح أمرها. لم تجد أمي وعاءً غير صدري لترمي فيه بأثقال كانت تحملها داخل صدرها، وأنا بعد طفلة لا تعلم كيف تفشي أسراراً لأن الدهشة للذين في مثل عمري لا تحركها روايات الفضيحة ولا أسرار الكبار، كنت وقتها في السادسة عندما كانت أمي تجلسني في حضنها وهي تروي لي تلك الحكاية التي مرت عليها سنوات. ما كنت أظن أنها أنجبتني لأقوم بالدور نيابة عنها، لأكون القابلة التي تخرج عبد السيد من رحم السارة بعيونه الخضراء. أمي من كان عليها مواجهة ذلك المصير، لكن أن يولد عبد السيد بعد ثلاثين عاماً.. أن يخرج ما زرعه الخواجة للناس عياناً بعد كل هذه المدة وعلى يدي أنا؟

هكذا تساءلت الرضية وعيناها تبرقان بوميض غريب يلفه غموض. لم يكن أحد في الزقاق يفكر بهذه الطريقة ولا واحد منهم خطر بباله ذلك في تلك الأثناء، ولا حتى تلك الدهشة والخوف الذي تملكهم يوم ولادته وهم مغمورون بتلك الأشعة الخضراء المنبعثة من عينيه. بعضهم عدها من الكرامات وبعضهم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، فكيف للسارة ومروان أن ينجبا طفلاً بمثل تلك العينين الغريبتين لولا أن شيطاناً تقمص روحه. ما غطى على كل تلك التفاصيل هو الحرب.. حرب الدراويش وبعدها حرب الخواجات والمصريين الثانية التي طردوا فيها الدراويش وقتلوا الخليفة. فقد جاءت ولادة عبد السيد في الزقاق عقب تلك الأحداث بسنوات طويلة، وفي موقع لا صلة للكثيرين منهم فيه بالبيت الكبير وما كان يدور فيه بعيداً عن الأعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق