ثنائية السحر والجنس.. سيرة الإنسان في الأديان - 3

الفصل الأول -2- قصة الخلق

سفر التكوين – الإصحاح الأول - القصة الأولى:

"وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم: أثمروا واكثروا، واملأوا الأرض وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض. وقال الله إني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً، وكل شجر فيه ثمر ليكون لكم طعاماً" .

الصورة: من وكيبيديا

سفر التكوين – الإصحاح الثاني - القصة الثانية:

"هذه مبادئ السماوات والأرض حين خُلقت. يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات، كل شجر الأرض لم يكن بعدُ في الأرض، وكل عشب البرية لم ينبت بعد، لأن الرب لم يكن قد أمطر على الأرض، ولا كان إنسان ليعمل في الأرض. ثم كان ضباب يطلع من الأرض ويسقي كل وجه الأرض. وجبلَ الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية. وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً، ووضع هناك آدم الذي جبله. وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة الخير والشر... وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها. وأوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت.

وقال الرب الإله: ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنعُ له مُعيناً نظيره. وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية، وأما نفسه فلم يجد معيناً نظيره. فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام، وأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي، هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ قد أُخذت، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً. وكانا كلاهما عريانين، آدم وحواء، وهما لا يخجلان".

جاءت قصة الخلق في الإصحاح الأول من سفر التكوين دون تفاصيل كثيرة عن كيفية خلق الله لآدم وحواء، إذ اكتفت بأن خلق الله الإنسان على صورته "على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم." وجاءت الإشارة إلى التكاثر لملء الأرض و"إخضاعها" دون إيحاء بارتكاب الخطيئة الأولى، وإنما كأمر رباني مبارك، دون أن يشير ذلك إلى وجود آدم في الجنة حسبما سيرد في القصة اللاحقة. مع أهمية ملاحظة أن الأرض كانت عامرة بالبحر وما تعيش فيه من أسماك، والسماء مليئة بطيورها واليابسة تتواجد فيها الدواب، كل ذلك جعله الله خاضعاً لسلطان الإنسان في مسيرته الأرضية.

في سفر التكوين الإصحاح الثاني وردت قصة الخلق الثانية بصورة أكثر تفصيلاً "وجبلَ الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية"، وفيها – بإختلاف مما جاء في القرآن الكريم كما سنرى – خاطب الرب آدم وحده بنهيه عن الأكل من الشجرة المحرمة، وقتها لم تكن حواء قد خلقت بعد، وإنما جاءت في مرحلة تالية عندما قال الرب الإله "ليس جيداً أن يكون آدم وحده". يأخذ الرب واحدة من أضلاع آدم بها امرأة. من هنا يبدأ التحول وبدء الخطوات الأولى لمسيرة طويلة تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فها هما آدم وحواء كلاهما عريانين ولا يخجلان ولا يدركان معنىً لكونهما كذلك، فلعنة الغواية لم تحل بهما بعد.

اتفقت معظم الروايات الدينية على البنية الروائية لقصة خلق آدم وحواء، مع اختلاف في بعض التفاصيل. ولم تفارق الروايات الميثولوجية ولا الأساطير القديمة القصص الدينية ذلك الاتفاق إلا في بعض التفاصيل الثانوية، التي يمكن ان ترد في إطار استعراضنا لقصة الخلق (خلق آدم وحواء)، وتناولها من مختلف الجوانب التي تفيد جوهر مقصدنا من تناول سيرة الإنسان في القرآن الكريم وعبره في مختلف الديانات السماوية والوضعية. فالقرآن الكريم هو الأكثر وضوحاً وتفصيلاً ولم يترك سبيلاً للمواربة في قصة الخلق، وهي على غير قصص الأديان الأخرى تنطلق من التأكيد على القدرة الإلهية في كونه "يقول لكل شيء كن فيكون"، وأن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء. 

آيات قصة خلق آدم في سورة البقرة: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" البقرة (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)"

آيات قصة خلق آدم في سورة الأعراف: "لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)"

لن ندخل هنا في ورطة التفسير بأن هناك خلق قبل آدم جعل الملائكة يقولون "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"، ولأن الآية الكريمة تؤكد أنهم لا يعلمون ما يعلمه الله تعالى فهي تنفي في ذات الوقت إطلاعهم على الغيب "إني أعلم ما لا تعلمون". كما لن نغرق في تأويل الآية بأن الله تعالى قبل أن يخلق آدم كان قد قرر مصيره بجعله خليفة في الأرض، وأن الله تعالى رسم طريق آدم بعد ذلك فيستجيب للغواية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا عن علم إبليس بالغرض من خلق آدم (جعله خليفة الله في الأرض)، وإن كان حضوراً بين الملائكة عندما خاطبهم الله سبحانه وتعالى في الآية " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ...."، مع الأخذ في الاعتبار أن الملائكة خلقها الله من (نور) في الوقت الذي خلق فيه إبليس من (نار). الآيات القرآنية تشير إلى أن إبليس كان حضوراً عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا " إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ"، ولكنها لا تشير إليه عندما خاطب الله تعالى الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق