ثنائية السحر والجنس.. سيرة الإنسان في الأديان - 4

الفصل الأول -3- الشيطان – إبليس (المدخل إلى السحر والغواية والجنس)

إذاً خلق الله الإنسان، تلك حقيقة تقريرية وبديهة فطرية؛ وقبله خلق إبليس وأمره ضمن من أمر بالسجود لآدم، لكنه أبى واستكبر لتبدأ مسيرة الغواية. لم يكتف إبليس برفض الأمر الإلهي بالسجود لآدم، لأنه (أفضل منه) فهو مخلوق من نار بينما آدم مخلوق من طين، بل أضمر في نفسه شراً عندما قال له الله تعالى " قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)"، ليطلب من الله أن ينظره إلى يوم يبعثون.

الصورة: الشيطان - مواقع إلكترونية

ثم تجرأ وصرح بما في نفسه عندما استجاب الله لطلبه وصار من المنظرين إلى يوم يبعث الخلق " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)". 

الغواية هنا كما اتفق على معناها كثير من المفسرين جاءت بمعنى الضلال، أي بسبب أن الله أضله سيعمل بدوره على أن ينحرف الإنسان عن الصراط المستقيم، فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والله أوقع في قلب إبليس الغي والاستكبار. لكن إبليس لم ينتظر هبوط آدم إلى الأرض ليبدأ في تنفيذ وعيده، بل شرع من فوره في مهمته التي نذر لها نفسه " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا .. الآية".

جاء في موسوعة وكيبيديا "يعتقد أن أصل كلمة إبليس في اللغة العربية هو من الفعل بَلَسَ (بمعنى طُرِدَ)، عندها يكون معنى إبليس هو "المطرود من رحمة الله". ولكن العديد من اللغويين يجمع على ان معنى الفعل هو "يئس" وبالتالي يكون المعنى "الذي يئس من رحمة الله" ويظن بعض المستشرقين أن أصل الكلمة هو من اللغة الإغريقية لكلمة Diabolos.

فيما تناول سنان نافل، في دراسته المقارنة، أصلها بصورة أكثر تفصيلاً من الناحية اللغوية "حاول الدارسون والباحثون أن يجدوا أصلاً لهذه التسمية إلا أنهم إختلفوا كل الإختلاف مثلما إختلفوا حول كلمة إبليس فقال البعض أن كلمة الشيطان أصيلة في اللغة العربية على إعتبار وجود العديد من الكلمات التي يعطي مصدرها معاني الضلالة والإحتراق والبعد مثل (شط – شاط – شوط و شطن)، والبعض الآخر قال إنها عبرية وتأتي بمعنى الضد أو العدو. أما كلمة إبليس فقد رأى البعض أن أصلها يوناني من كلمة (Diabolos) ديابلوس وتأتي بمعنى الإعتراض والوقيعة، والبعض الآخر يرى أنها آتية من كلمة (الإبلاس) أي اليأس التام من رحمة الله ومن العودة إلى الجنة، ومنهم من قال إن أصل التسمية مأخوذ من (Devil) في اللغات السكسونية والتي تعني يفعل الشر، بينما أرجع آخرون الكلمة إلى (مغستوفليس) وهي مأخوذة من اليونانية وتعني (كراهية النور) ومصدرها هو السحر البابلي الذي وصل إلى الغرب على أيدي اليهود اليونان وهذه التسمية تمثل روحاً من أرواح النحس التي تتسلط على بعض الكواكب". (سنان نافل - الشيطان ... في الأديان القديمة والحديثة ... دراسة مقارنة).

الشيطان (إبليس) أو أي اسم يتخذه أو يطلق عليه، هو المدخل إلى سيرة الغواية والسحر في مسيرة الإنسان الطويلة والمستمرة، وهي السيرة التي انفتحت بعد أن وقع فعل غواية الشيطان لآدم وحواء لتنكشف عورتاهما "فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ"، قبلها لم يكن الإنسان شيئاً مذكورا. ولطالما ارتبط الشيطان في كل العقائد الدينية، البدائية التقليدية أو الوضعية أو في الأديان السماوية، بالشر. فهو المقابل الضد لكل ما هو مقدس ونقيض لكل قيم الخير في المفاهيم والعقائد الدينية. 

يقسم البعض الأديان إلى قسمين؛ القسم الأول هوالأديان التقليدية القديمة ويبدو فيها الشيطان (إبليس)، كإله ضمن منظومة الآلهة، "كقوة ذات طبيعة شريرة نابعة من تكوينها ومرتبط بوجودها ومعبراً عن كيانها التركيبي، وبأن فعلها للشر إنما هو تعبير عن هذه الطبيعة التي جبلت عليها" بينما القسم الثاني يشمل الأديان التوحيدية (اليهودية، المسيحية والإسلام) التي تبدو فيها وظيفة الشيطان أو سبب وجوده و فعله للشر "كضرورة تكتيكية إختبارية من قبل الخالق لمعرفة مدى قدرة الإنسان على التمسك بجانب الخير أو إنزلاقه وراء الشيطان و ما يمثله من غواية وضلالة وبالتالي إعطائه ما يستحق من مكانة خالدة في الجنة أو النار إلى أبد الآبدين" و إن كانت هناك العديد من الفروقات في مكانة الشيطان و قدرته على فعل الشر في هذه الأديان كما يرى سنان نافل في دراسته المقارنة (الشيطان ... في الأديان القديمة والحديثة).

في الأديان التقليدية أو ما يسمى بعض منها بالأديان (النسمية) وهي القائمة على الاعتقاد في الأرواح، تتمثل صورة الشيطان في روح من الأرواح، أو أن مجموعة الشياطين تتبدى في أرواح شريرة لها القدرة على إلحاق الأذى بالبشر. وحسب تصنيف القسم الأول فالشيطان (الروح الشريرة) (الجن) (العفريت) طبيعته نابعة من تكوينه وأن فعل الشر هو طبيعة جبل عليها. وتلك الأرواح يصنفها دارسو أديان بلاد ما بين النهرين إلى ثلاثة حسب الأصول التي تنحدر منها "الصنف الأول أصله أرواح الموتى من البشر أي أنه قادم من روح إنسان ميت، والصنف الثاني هو ابن أحد الشياطين أي أنه شيطان بن شيطان أي أنه ناتج عن زواج شيطان من شيطانة، والنوع الثالث مركب ينتج من تزاوج الجن مع امرأة أو رجل مع جنية، وهذا التزاوج ينتج جنيا بعقل إنسان. ويستدلون في ذلك بنصوص التعاويذ الدينية التي انتشرت في ذلك الوقت:

(عبر الأسوار العالية السميكة، يمرون كالطوفان

يمرقون من بيت إلى بيت

لا يمنعهم باب و لا يصدهم مزلاج

فهم ينسلون عبر الباب كانسلال الأفاعي

و يمرقون من فتحته كالريح

ينتزعون الزوجة من حضن زوجها 

و يخطفون الطفل من على ركبتي أبيه

و يأخذون الرجل من بين أسرته)

أو تلك التي تشير إلى الطبيعة التخصصية في عمل الشر والتسبب في الضرر للآخرين كالصداع وامراض الجلد والصرع والكوابيس.

(إنهم ليسوا ذكوراً و لا إناثاً 

إنهم الرياح المهلكة

لا يعرفون شفقة و لا رحمة

إنهم الشر و كل الشر)

ومع ذلك فإن كل الكائنات الشريرة الموجودة في حضارة ما بين النهرين وما تمثله من شر قد جمعت في شخصية واحدة تعتبر مصدراً واساساً لكل البلايا التي تصيب البشر بل وحتى الآلهة دونما تمييز، وهي شخصية الربة (تياميت) التي تعاظم شرها وإزداد بلاؤها ليصيب الأرباب أنفسهم مما حدا بهم أن ينتدبوا الإله الشاب مردوخ لمقاتلتها والقضاء عليها .أما في الديانة المصرية القديمة فإن الإله المصري الذي ارتبط بالشر في كافة العصور التاريخية في مصر القديمة فهو (أبوفيس) وهو عفريت على شكل ثعبان ضخم جداً ذي طيات متعددة في كل منها سكين حاد. و يسمى الشيطان في الديانة الزرادشتية بأهريمان وسمى كذلك أنكرامينو.

في الديانات القديمة التي يعتبر فيها الشيطان أحد الآلهة يدور الصراع بين الآلهة أنفسهم في إطار الخير والشر، وهو ربما مثلته بصورة أكثر وضوحاً الميثيولوجيا الإغريقية في قصة صندوق بندورا. تحكي الأسطورة الإغريقية أن الأرض كان يقطنها الرجال فقط وكان الجميع يعيشون في سعادة، وأن الإله (زيوس) منح البطل الإغريقي بروميثيوس الأرض بما عليها بعد أن قدم له خدمات جليلة – كما جاء في موقع وكيبيديا-  وحين صار بروميثيوس مسؤولا عن الأرض قرر أن يعلم الإنسان أشياء كثيرة حتى إنه خرق في سبيل هذا كثيرا من قواعد "سادة الأولمب"، وجاءت الطامة حين سرق بروميثيوس سر النار من الآلهة وعلمه للبشر وصار البشر يقدرون أن يشعلوا النار ويستخدموها، وهنا قررت الآلهة معاقبته بصرامة، فربطوه بين جبلين وكل يوم يأتي رخ عملاق ليأكل كبده فإذا جاء الليل نبت له كبد جديد وهكذا استمر الحال كل يوم حتى جاء البطل هرقل وخلص بروميثيوس من هذا العذاب القاتل، وعاد بروميثيوس للبشر ففرحوا به وقررت آلهة الأولمب الانتقام منه مجدداً بطريقة عبقرية أكثر شراً وكان هذا العقاب هو "المرأة".

تنزل باندورا إلى الأرض فتثير صخبا.. انها ملكة جمال العالم لسبب بسيط هو انه لا يوجد سواها.. وبالطبع تلقي شباكها حول بروميثيوس لكن بروميثيوس كان ذكيا وحكيما فلم يهم بها حبا وتجاهلها تماما، فهام بها اخوه ابيمثيوس بسرعة وأصر ان يتزوجها فوافق بروميثيوس على مضض وعاش أخوه أياما لا توصف من السعادة.. إلى أن أرسل "زيوس " مبعوثه هرمز بهدية للزوجين السعيدين عبارة عن صندوق مغلق. كان ابيمثيوس حكيما في هذه النقطة فرفض فتح الصندوق، لكن زوجته راحت تلح عليه أن يفعل، من يدري أية كنوز أو أفراح تختفي داخله، إن هناك اصواتا تناديها من الداخل.. اصوات تعدها بالسعادة المطلقة، لقد صارت حياتها جحيما وهي تجلس الليل والنهار جوار الصندوق تتخيل ما يحويه وكان الفضول يخنقها كأية انثى في الاساطير، أخيراً تنتهز باندورا فرصة غياب زوجها فتفتح الصندوق، فجأة اظلم العالم وخرجت أرواح شريرة من الصندوق.. أرواح يحمل كل منها اسماً مخيفاً مثل النفاق، المرض، الجوع، الفقر. وراحت المسكينة تدور حول نفسها محاولة اغلاق الصندوق فلم تستطع.. في النهاية اغلقته بالفعل لكن بعد أن حدثت الكارثة وتحولت الجنة السعيدة إلى جحيم حقيقي للبشر. 

الأسطورة تذهب إلى أن المرأة هي الثغرة التي يدخل منها الشيطان ليؤثر على مسيرة الإنسان، فهي التي فتحت بوابة الشر. والشخصية الأنثوية متواجدة بشكل ملفت في كثير من الديانات التقليدية باعتبارها رمزاً من رموز الشر أو الشيطان، وليست مجرد مخلوق يتسلل عبره الشيطان لتحقيق غاياته، ففي المندائية هناك (الروهة) وفي البابلية (تياميت) وفي الديانة الهندية (سيتالا و مايا) وفي الزرادشتية نرى (دروج) و(الإله سيث) في الديانة المصرية. 

في أديان القسم الثاني (الأديان التوحيدية) يتحول الشيطان من مرتبة الإله، التي حظي بها في الأديان النسمية والتقليدية، إلى مرتبة مخلوق من مخلوقات الله وذلك منذ نزول التوراة على سيدنا موسى عليه السلام والديانة المسيحية إلى أن جاء الإسلام ونزل القرآن لتبدو صورة الشيطان أكثر وضوحاً وتحديداً. هذا التحول محوري في مفهوم الخير والشر في تلك الأديان، ففي العهد القديم وعلى الرغم من الإشارات إلى العفاريت والأرواح الشريرة إلا أن الشيطان بدا مخلوقاً محدداً الشخصية، إذ  ظهر الشيطان في سفر التكوين في هيئة حية إنفردت بحواء لتغري آدم عبرها للأكل من الشجرة التي حرمها الرب عليهما. أما في العهد الجديد فارتسمت صورة الشيطان كمخلوق يوازي الشر، لتبدو مسيرة المسيح كحرب ضد كل الشرور وعلى رأسها الشيطان. القرآن الكريم كان الأكثر إبرازاً لمفهوم الشيطان منذ خلق آدم عليه السلام ورفضه السجود مع الملائكة امتثالاً لأمر الله.

على ضوء هذا التطور الجديد يمكن رصد التحولات التي طرأت على صورة الشيطان في الأذهان، أولها هذا الوضع الجديد للشيطان في الأديان التوحيدية، الذي أنزله من مرتبة الإله في الأديان القديمة إلى مجرد ملاك أو مخلوق يسير في الدرب المرسوم له من قبل الخالق، عزز من مفهوم التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد فقد انتهت صورة الشيطان كإله يمتلك النفوذ والمكانة والقدرة وتلك صفات ينفرد بها الإله الواحد بانتفاء تعدد الآلهة، ليعود إلى وضعه الطبيعي كمخلوق من مخلوقات الله كما تشير الآية "قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين".

تحول آخر أبرز وضوحاً يكشف فقدان الشيطان للإرادة على غواية الإنسان إلا بأمر من الله سبحانه وتعالى، ليصبح دوره ضعيفاً وهامشياً "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان".  يشير سنان نافل في دراسته المقارنة (الشيطان في الأديان القديمة والحديثة) إلى أنه "على الرغم من قدرة الشيطان في هذه الأديان على فعل الشر وإغواء البشر ودفعهم إلى عصيان الله ثم التهلكة، فإن هذه القدرة الخارقة في الحقيقة ما هي إلا مظهر يختبئ تحته شيئاً آخر تماماً ومخالف للواقع الذي يقول إن الشيطان لا يمتلك أي إرادة خاصة به على فعل الشر، إنما كل أفعاله يكون مصدرها إما أمراً مباشراً أو غير مباشر من الرب أو لضعف الإنسان أمام الإغراءات والغواية".

بخروج الشيطان عن طاعة الله برفضه السجود لآدم مع بقية الملائكة تلاحقه اللعنة ومصير الطرد من الجنة، صار الإنسان مركزاً للصراع، او كما جاء في سورة الأعراف "قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)".

يعد هذا التحول الأبرز في ذهن الإنسان بعد أن كانت المعركة بين الله والشيطان (الإله) تدور عوالم أخرى وكائنات في الأديان القديمة لا دخل للإنسان بها، وصارت النفس البشرية هي محور الصراع بين الخير والشر، بين الصراط المستقيم والاستجابة للغواية. وفتحت الاستجابة الربانية لطلب إبليس "قال إنك من المنظرين" الطريق أمام الشيطان ليقعدن للإنسان صراط الله المستقيم. ولم ينتظر الشيطان طويلاً ليمارس غوايته للإنسان ليخرجه من الجنة التي طرد هو منها بسبب صلفه وغروره.

ويشير سنان نافل في الدراسة السابقة إلى ملاحظة "أن الديانة المندائية وعلى خلاف بقية الأديان القديمة نراها تحمل نفس المفهوم عن الصراع بين الرب و الشيطان الموجود في الأديان الحديثة، على الرغم من وجود المفهوم القديم عن طبيعة الصراع وماهيته وكيف يجري في العوالم العلوية والتي لا دخل للإنسان فيها، ولكننا مع ذلك نجد الكثير من النصوص التي تتحدث عن المحاولات التي تجريها الروهة لكسب آدم إلى صفها والابتعاد به عن طريق الله القويم، مثلما يذكر أحد النصوص في كنزا ربا الأيمن 3 ص 107، حيث تتكلم الروهة و ملائكة الكواكب حول آدم (46) :

(سنمسك آدم وندخله في تجمعنا

في تجمعنا سندخله، ونعلق قلبه ونجعله في قبضتنا

ونصطاده عبر الأبواق والمزامير، حتى لا ينفصل عنا)

رغم أن ظاهر ذلك الصراع يبرز الشيطان كقوة قادرة على مخالفة مشيئة الله وفعل ما يشاء بالبشر لإثنائهم عن الطريق القويم وتضليلهم وغوايتهم، إلا أن القراءة المتعمقة تكشف بجلاء عكس ذلك، فالشيطان طرد من الجنة ومن رحمة الله وهو من المنظرين لأن الله أراد ذلك لاختبار طاعة عباده له وإيمانهم به. فوجود الضدين (الجنة والنار) (النعيم والجحيم) كحقيقة يترتب عليها الجزاء والعقاب تعني أن النفس البشرية مخلوقة لتسير وهي متنازعة بين السبيلين "وهديناه النجدين فإما شاكراً وإما كفورا"، لذلك تحولت وظيفة الشيطان كطبيعة جبل عليها إلى اختبار لتلك النفس التي قد تتمسك بالسير في الطريق القويم أو ينجح الشيطان في غوايتها لتسلك السبيل الآخر. وللوقوف على موقع الشيطان في الأديان الثلاثة سنستعرض بعض من ذكره في الكتب السماوية الثلاثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق