"الأمير" شيطان يمشي على قدمين

أمير بابكر عبدالله

الايطالي نيقولا ميكافيلي هو صاحب أشهر وأخطر كتاب في علم السياسة "الأمير" الذي بذل فيه كثير من النصح للأمير لورنزو في العهد الفلورنسي. لم يك ميكافيلي بعيداً عن عالم السياسة عندما خط ذلك السفر المثير للجدل، وإنما كان منغمساً فيها حتى أخمص قديمه، بل وصل فيها لدرجة المستشار وهي مرتبة ليست من السهولة بلوغها في ذلك الوقت.

الصورة: مواقع الكترونية

رسم مكيافيلي في كتابه الخطوط العريضة لسياسة الحكم المستبد وفصلها تفصيلا، ووضع فيه خلاصة تجربته وفكره السياسي، وعرف في عالمنا بأنه صاحب نظرية "الغاية تبرر الوسيلة"، تلك النظرية التي ظلت تعاني منها الأمم والشعوب في ظل حكامها المستبدين. ووضع في كتابه "الأمير" جملة نصائح صريحة وواضحة، يوصي الحكام بأن يجمعوا في سياستهم بين المكر والقسوة، والا يكترثوا للمبادئ الأخلاقية والاكتفاء بالتظاهر باحترامها، بل واعتبر قتل الأبرياء شيء طبيعي من الممكن فعله من أجل الحفاظ على ملك مغتصب عندما نصح الأمير بإبادة جميع أفراد الأسرة المالكة في الولايات التي تسقط تحت قبضته وإلا أصبحوا خطراً عليه.

في كتابه "تكوين الدولة"  يقول روبرت م. ماكيفر "لربما كانت هذه الوصايا ملائمة لعصر، كالذي كتب فيه ميكافيلي، يسوده الاضطراب وتستشري فيه الفوضى. وللحاكم أن يأخذ بها في مثل هذا العصر أو في أي عصر آخر وفقاً لمقتضى الحال، وضمن الحدود التي تناسبه. ويتساءل "ولكن من الذي يستطيع أن يعين تلك الحدود؟ وأين هي الضمانة الأكيدة لنجاح كل من عمل بهذه الوصايا؟ وهل أفلح جميع الذين اتبعوها؟ ألم ينته بعضهم نهاية محزنة؟

كثير من الطغاة كانوا يحبون قراءة كتاب ميكافيلي "الأمير"، ويقال أن الفاشيستي موسيليني قد اختاره موضوعاً لرسالة الدكتوراه أيام دراسته. وكان هتلر يضع الكتاب على مقربة من سريره، ويقرأ فيه كل ليلة قبل النوم. وأكد المسرح العالمي على تلك المعاني الشريرة الموجودة بين ثنايا أفكار ميكافيلي، ففي مسرحيته "زوجات وندسور المرحات " يقول شكسبير على لسان إحدى شخصياته "ماذا .. هل أنا مخادع؟ هل أنا ميكافيلي؟".

في مقدمته يكتب نيقولا ميكافيلي  إلى "لورنزو العظيم لبيرو دي ميديشي" "من المعروف أن أولئك الذين يسعون إلى نيل رضا أحد الأمراء يجتهدون في تقديم الهدايا الثمينة ذات القيمة الغالية إليه. أو إنهم يهدونه أشياء يعلمون أنها تدخل السرور والبهجة إلى نفسه ويسعد بها، ويحب رؤيتها. وعلى هذا الأساس نجد غالب الأمراء يقبلون هدايا تتمثل في جياد أصيلة أو أسلحة ثمينة أو ثياب موشاة بالذهب والأحجار الكريمة أو ما شابهها من تحف تليق بمكانتهم العظيمة.

ولكني على أية حال أود أن أهدي سموكم  شيئاً متواضعاً يدل على إخلاصي لكم. ولم أجد في ما أملك ما هو أغلى من معرفتي بأعمال ومنجزات عظماء الرجال. وهي معرفة اكتسبتها من خلال نجربة طويلة مررت بها وقد صاحبها العديد من الأحداث إضافة إلى ما درسته حول ما حدث في الماضي.

وبعد تفكير عميق وبذل كثير من الجهد في دراسة وتأمل منجزات العظماء، أهدي سموكم اليوم ما توصلت إليه من نتائج، وقد وضعتها في هذا الكتاب الصغير".

لم يدرك ميكافيلي أن شر هذا الكتاب المستطير لن يتوقف عند حدود فلورنسا والقرن السادس عشر، فكل الطغاة والجبابرة يضعونه تحت وسائدهم قبل النوم بعد أن يقرأونه بتركيز شديد وهو يحاولون الحفاظ على حكمهم بشتى السبل. إن كتاب "الأمير" شيطان يمشي على قدمين، وليت ميكافيلي وجد من الهدايا الثمينة ليهديها إلى أميره غير تلك الأفكار الشريرة، وإلا لما وجد الطغاة مرشداً ودليلاً يهديهم إلى دروب التسلط والجبروت مثلما فعل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق