أمير بابكر عبدالله
عندما صدحت الفنانة اللبنانية جوليا بطرس بكلمات الشاعر الليبي علي
الكيلاني "الشعب العربي وين.. وين الملايين"، وهي تضغط بكامل أحاسيسها
على مفاصل هذا التساؤل الذي يستمر في الطرق على القلوب، وعيناها تشعان ببريق الغضب،
ووجهها الناعم الذي تحول بفعل تغطيبة جبينها انفعالاً بالطقس العام الذي ملأته
دماء الشهداء وضحايا المجازر الإسرائيلية من الفلسطينيين ولطخ (شرف) الأمة العربية
حكاماَ وشعوباً، عندما صدحت تلك المغنية البضة بتلك الكلمات التي حملها بين طياته
ذلك اللحن المثير للحماسة هتفت الشعوب العربية من مقاعدها أمام شاشات الفضائيات
ولم تفعل شيئاً سوى مسيرات تنفس بها عن غضبها ليس على تلك المجازر بل إلى ما آل
إليها حالها، وتململ الحكام العرب وهم (يتوهطون) كراسيهم الوثيرة وهم يرددون "
بعيداً عن حكمي".
وقصت الملايين المراد استنفارها تحل محلها الطرافة بعد الانتخابات
الأخيرة التي أصر على إجرائها المؤتمر الوطني، وهو الذي أعلن مرة بأن عضويته
المتزمة على امتداد القطر تقارب العشرة ملايين، وفي أقوال أخرى ستة ملايين، ليدخل
تلك الانتخابات مطمئناً إلى حساباته وتوقعاته، إلى أن فضح الواقع الأمر وكشف حقيقته
ويصرخ قادته بكل انفعال صادق "وين الملايين!!". وإذا كان وجه المغنية
اللبنانية جوليا بطرس المليء بالغضب والانفعال بالقضية يرتد إليه طبعه الناعم
المليح لتهفو إليه قلوب عشاقها من مرتادي الحفلات ومحبي الغناء صبية وشيوخ، فإن
طبيعة القائمين على أمر المؤتمر الوطني (هي هي) لن تتغير فطبعها هو التوجس والغضب.
فما أن استبانوا ضحى الغد بعد اليوم الأول من الاقتراع حتى تراجعت التوقعات
والأحكام القطعية بكشوفات العضوية المليونية.
عندما قال أحدهم إن عضوية المؤتمر الوطني الملتزمة عشرة ملايين، قلنا
له "يا راجل عيب، قول كلام غير ده وخليك واقعي"، وحتى عندما تراجع الرقم
إلى ستة ملايين أيضاً قلنا له ذات القول، فالمسألة متعلقة بالأرقام والحساب وتلك
أمور تستوجب الدقة وستبنى عليها خطوات وقرارات. ما كشفته الأرقام الأولية المعلنة
وتوقعات الاتحاد الأفريقي التي لم تتجاوز فيها نسبة التصويت ال 35% ورفعها مسؤول
القطاع السياسي إلى 42%، قالت بغير ذلك.
ولأن الأمر أمر حساب وأرقام، وليس غناء ورقص، لنعود إلى الطبيعة
التجريدية الجافة لعلم الحساب، ولنبدأ من المفوضية القومية للانتخابات وسجلها
الانتخابي. الذي قلناه وقتها عندما أعلنت المفوضية عدد المسجلين في كشوفاتها بأنهم
13 مليون وأكثر، بأن هذا الرقم غير حقيقي بناءاً على معطيات الواقع. فالواقع يقول
إن الجنوب انفصل بسكانه ما يعني أن المسجلين في الكشوفات السابقة يجب مراجعتهم،
وهناك أموات وهناك نازحون وهناك وهناك وهناك، بالتالي البناء على ما هو قديم دون
فحص وتنقيح سجعل من السجل مضروباً. وبقراءة توقعات جهاز الإحصاء لعدد السكان في
العام 2014 فإن الذين حيق لهم التصويت (وليس المسجلين) يقارب ال20 مليوناً، فحتى
بحسابات المفوضية فإن قرابة ال7 ملايين لم يسجلوا وبالتالي لا يدخلون في حسابات
الانتخابات.
اعتماداً على رقم عضوية المؤتمر الوطني ال 6 ملايين، وعلى سجل
المفوضية 13 مليون و800 ألف مواطن مسجل، وما أعلن مبدئياً ممن أدلوا بأصواتهم في
الانتخابات الأخيرة وحسب (الأصم) 4 ملايين و800 ألف، فإن الذين لم يدلوا بأصواتهم
يكون بالحساب البسيط 9 ملايين.
هذا الرقم يقل كثيراً عن رقم عضوية المؤتمر الوطني، هذا إذا اعتبرنا
إن كل الذين صوتوا هم مؤتمر وطني. لكن للحقيقة وجه آخر، وهو أن النتائج الأولية
كشفت فوز عدد من جهات منافسة للمؤتمر الوطني وكذلك الدوائر التي فاز بها مرشحو
الوطني نافسهم فيها آخرون (فهم لم يفوزوا التزكية)ن وهذا يقلل كثيراً من عدد
عضويتهم التي زعموها. مع ملاحظة إننا نتحدث بالأرقام التي ذكرتها جهات رسمية
وقيادات في المؤتمر الوطني حتى الآن دون الخوض في مسائل أخرى تقدح في ذمة
الانتخابات.
من واجب قادة المؤتمر الوطني ان يقيموا ما جرى وان يعيدوا حساب
قاعدتهم وعضويتهم ويعيدوا تقييم قياداتهم الوسيطة، وأن يصرخوا فيما بينهم
"وين الملايين"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق