أبيي .. القشة التي قصمت ظهر البعير

أمير بابكر عبدالله

عند إعلان أبناء دينكا نقوك إجراء إستفتاء أبيي من طرف واحد، ودون موافقة البلدين المعنيين بنتيجة الاستفتاء الذي سيفضي إلى إنضمام المنطقة إما إلى الشمال أو الجنوب، فكرت وقتها في حجم الورطة التي وجد سلفا كير، رئيس دولة الجنوب، نفسه فيها. كانت المؤشرات تقول إن ذاك الاستفتاء الشعبي سيجري لصالح انضمام أبيي للجنوب، كما تقول المؤشرات إن رئيس دولة الجنوب ومؤسساتها لا علاقة لهم بذلك.

إجراء الاستفتاء في حد ذاته طرح تساؤلات عديدة، وعلى رأسها الجهة الممولة للاستفتاء والمنظمة له. مسألة التمويل والتنظيم كانت غائبة في لجة الاحتجاجات والاستنكار في الشمال، لكن في الجنوب كان الوضع مختلفاً. بعد الاجراءات التي اتخذها سلفا كير في حق نائبه رياك مشار والأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم وقيادات أخرى، كان الحزب هو الوسيلة للالتفاف على تلك القرارات ولي ذراع الرئيس سلفا. فالحركة الشعبية ليست خاضعة لسلطان كير رغم رئاسته لها، وانشغاله بمسألة تأسيس الدولة كان له دوره في التقليل من قبضته وسيطرته على مفاصل الحزب.
كان إجراء استفتاء أبيي ضرورياً لقيادات الحركة الشعبية الرافضة لمسار التوجهات والسياسات الرئاسية الخاصة بالاتفاق مع السودان، وكانت ترى إنها قدمت تنازلات أكثر مما هو متوقع وبالتالي سيفقد الجنوب العديد من الأوراق للضغط على الشمال في المستقبل. الكيفية التي جرى بها الاستفتاء وضع رئيس دولة الجنوب في موقف حرج تجاه شعبه عموماً وتجاه أبناء أبيي خاصة، وكان هذا هو الهدف الأساسي، أن تتزعزع الثقة في الرئيس داخل الحركة التي يناصرها أبناء أبيي وجماهيرياً، خاصة أن الدولة ستكون ملتزمة بالقرارات الإقليمية والدولية تجاه قضية أبيي وعدم الاعتراف بأي حلول من طرف واحد.
الخبرة الطويلة لسلفا كير في العمل الاستخباري، وموقعه القيادي في الحركة الشعبية وتجربته في ممارسة الحكم، كشفت له حجم قدرات حركة قيادات الحركة الشعبية في الجنوب. ولعله استرجع اجتماع رمبيك الشهير الذي كاد ان يقسم الحركة الشعبية عشية التوقيع على إتفاقية السلام. كان ذلك الاجتماع الذي عقد في خواتيم نوفمبر 2004 عاصفاً، ووضع رئيس الحركة آنذاك، د. جون قرنق، على الكرسي الساخن بعد أن انطلقت شائعة نفيد بأنه سيقصي سلفا من مقعده كنائب للحركة ويحل محله نيال دينق. وها هو (سلفا) يجد نفسه على ذات الكرسي لكن بطريقة مختلفة وفي ظل ظروف مختلفة، فهو لا يدير حزباً بل دولة، ولديه من السلطات ما جعله يتجاوز حزبه في رسم السياسات واتخاذ القرارات.
هناك طريقان في ظل هذه الأوضاع كان على سلفا كير السير في إحداهما، أن يرضخ لضغوط قيادات حزبه ويجعله المرجعية التي يستمد منها سلطاته ولو كان على حساب القرارات التي يمكن أن يتخذها كرئيس لدولة والتي تتعارض مع تلك التي تراها تلك القيادات، وبالتالي يمكن أن يفقد أرضية أن يظل رئيساً في المرحلة القادمة وسط رغبات العديد من القيادات في الترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة، أو أن يتجه لإضعاف الحركة الشعبية كحزب سياسي حاكم طالما يمكن الإستناد إلى العامل القبلي وعوامل أخرى أقل أهمية تعزز من سيطرته الكاملة على الدولة.
جاء استفتاء أبيي ليحسم خيارات سلفا كير، فقد كان إختباراً قاسياً وصفعة لم يستطع أن يدير لها خده الأيسر، فكان عليه توجيه بذات القسوة تعيد لمعادلة الصراع توازنها، فقرر أن يضحي بالحزب الحاكم ومؤسسة الحركة الشعبية التي جاءت به إلى رأس السلطة. فالخاسر الأكبر في الصراع القائم الآن هو الحركة الشعبية، خاصة مع تجيير الصراع لصالح ما هو قبلي، وربما يفقد سلفا كير في معادلة الصراع القبلي الكثير، خاصة وأن قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها (خشم بيوت)، وكثير من بيوتها غير راضية عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق