أمير بابكر عبدالله
هل يمكن إطلاق صفة فنان على محتال؟ لابد
للمحتال أن يتمتع ببعض الصفات التي تجعله يقدم على فعلته. أول تلك الصفات الجرأة،
فإن لم توهم جرأته الضحية أو من حولها بصدق نواياه وقوة حجته سيفشل بمجرد إقدامه
على ارتكاب جريمته. ولابد أن يتمتع بصفاء الذهن والتصرف السريع والقدرة الفائقة
على اختيار ضحاياه، يلي ذلك اختيار التوقيت والمكان المناسبين للتنفيذ. وما أن
ينجح في تنفيذ جريمته، تاتي الخطوة التالية وهي القدرة على التخفي ومغادرة مسرح
الجريمة في سرعة فائقة ليدخل مرحلة الكمون المؤقت. وهناك عدة ضروب من الاحتيال
سأورد منها نماذج واقعية، بعضها نقلاً عن آخرين وبعضها حدث أمامي.
نموذج أول: على رصيف إحد الشوارع الرئيسية
في قلب الخرطوم المزدحم بالمنتظرين للمواصلات العامة، والوقت تجاوز منتصف النهار،
وقفت فتاة عشرينية جميلة (هذه مسألة نسبية ليست ذات أهمية) في انتظار الحافلة.
اختارت أن تتجنب المنطقة الأكثر ازدحاماً لتواصل (العبث) بموبايلها، بالتأكيد هو
من النوع الحديث الغالي الثمن من مظهره وحجمه. ربما كانت مشغولة بمتابعة (الفيس
بوك) أو (الشات)، وأذنيها مشغولتين بأغنية أو خلافه فالسماعات سدتهما عن الضجيج
الدائر من حولها.
التقطتها عيناه، تفرس فيها وهو واقف في
الناحية الأخرى من الشارع أثناء سير المركبات. دون شك هي فريسته، فعليه التحرك
بسرعة إلى حيث تقف فتاتنا الجميلة. لن يشك فيه أحد بملابسه الأنيقة ووجهه الصبوح،
يعلم أن كل ذلك سيساعده في الفكرة التي خطرت على باله والخطة السريعة التي
سينفذها. ما أن اجتاز الشارع حتى اتجه مباشرة نحو الفتاة وهو يتحدث بصوت مسموع لفت
انتباه كل الواقفين على رصيف الانتظار.
-
يا بت كرهتينا الموبايلات، في البيت ال24 ساعة
شغالة بالموبايل، في الشارع واقفة شغالة بالموبايل، إنتي أصلك ما بتسمعي الكلام؟
ما في زول مالي عينك؟ أبوي يتكلم معاك اليوم كلو بي سبب الموبايل، وأن حذرتك من
الموبايل ده لكن واضح إنك ما بتسمعي الكلام.
انتبهت الفتاة أخيراً عندما نزع الموبايل
من يدها، وهو يردد في ذات كلماته، وينظر بقوة في عينيها. صاحت في صوت ضعيف طغت
عليه حشرجة بكاء بأن هذا الشخص ليس بأخي وأنا لست أخته ولا أعرفه. كل من في رصيف
الانتظار كان موقناً بأنها اخته بعد المشهد الكامل الذي جرى أمام أعينهم، وبعضهم
استحسن موقف الشاب الهميم مستنكراً استخدام الموبايل المستمر (بي سبب وبدون سبب).
في تلك الأثناء جرها من يديها وابتعد بها قليلاً مواصلاً حديثه معها وسط زيادة شدة
بكائها، ثم دس الموبايل في جيبه وأطلق ساقيه للريح.
نموذج ثاني: كان يجلس بجوارها في رحلة
ستستغرق أكثر من 8 ساعات إلى إحدى المدن خارج العاصمة، حظها هو ما جعل مقعدها
بجواره. كانت صبية وقورة، لكنه وبعد أن غادر البص ملامح المدينة، بدأ الرجل يعبث
بجسدها وهي تحاول أن تبتعد عنه. يتركها قليلاً ثم يعاود الكرة مرة أخرى إلى بلغ
بها السيل الزبى، عندما أدرك أنها ليست فريسته وأنها سترفع صوتها وتحتج علناً، مما
سيدخله في حرج كبير إن لم ينل (علقة ساخنة)، وقف على رجليه وصفعها على خدها وهو
يلعن سلسفيل (بنات الزمن ده)، (بت ما بتختشي، تقابض في الرجال!!!). لم يفدها
البكاء وكرهت وجهها الذي سينطبع في ذاكرة المسافرين وربما تعرف عليها أحدهم.
نموذج ثالث: (صفَّر) عداد الموبايل الذي
سيبيعه لمشتري مغفل، فلا يعلم عدد الساعات التي استهلكها المستخدم قبله مما سيزيد
من سعرها، هكذا تعود أن يفعل. (صفَّر) عداد العربة لكي لا يدري المشتري المسافة
التي قطعتها. (صفَّر) عداد (الموية)، كل تلك من ضروب الاحتيال. لكن احترت في ما
قاله الدكتور نافع علي نافع القيادي بالمؤتمر الوطني عندما (صفَّر) عداد الإنقاذ،
ومسح ربع قرن من تاريخ فشلها في إدارة الدولة وتفريطها في وحدة البلاد، وسألت
نفسي، هل يدخل هذا ضمن فنون الإحتيال أم فنون السياسة؟ على القارئ الكريم أن
يختار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق