أسمريت .. فتاة في المزاد السري - 8

من وحي قصص تهريب واختطاف البشر في شرق السودان
هذه السلسلة هي تحقيق كتب في العام 2013 ونشر في جريدة الخرطوم، وهو مبني على قصة حقيقية عشت جزءاً كبيراً من تفاصيلها بين مدينتي كسلا والخرطوم، مع تغيير أسماء الشخوص.
 (23)
لعبة تسفاي الأول على مسألة الوقت لتليين جانب شبكة الخاطفين، زادت من معاناة المخطوفين وعلى رأسهم أسمريت التي بدأ الحرس في التحرش بها. أحد الحراس الذي لم يكترث في البدء لوجود فتاتين محتجزتين في الغرفة، ولا حول ولا قوة لهما، بدأ مع مرور الأيام وتثاقل خطاها تراوده هواجس جنسية كلما رأى أسمريت أو الأخرى في طريق ذهابهما إلى الحمام أو العودة منه لقضاء الحاجة.
الصورة: القبض على عربة تحمل بشر مهربين- مواقع إلكترونية
جمال أسمريت الذي قاوم كل ملامح المعاناة وخطوط البؤس واليأس والخوف التي كست وجهها، جعلها نهباً لخيالات الحارس وأحلام يقظته.
في منتصف الأسبوع الثاني، وبعد تردد، قرر الحارس اقتحام الغرفة واقتاد أسمريت بحجة إجراء اتصال مع شقيقها، بعد أن أغلق باب الغرفة على البقية. سارت مضطربة تحاول أن تتوازن وسط تلك الأجواء المحبطة والمعنويات المتدنية، لم يخطر ببالها أن الحارس سينقض عليها في عنف ويشل حركتها. مقاومتها الشديدة لم تجد نفعاً أمام رغبة الحارس المتزايدة في النيل منها، ليس أمامها سوى اجترار أحزانها وإحساسها بالقهر وعدم الحيلة.
فقدت اسمريت الأمل في كل شيء، وهي تحاول أن تطرد من أمام ناظريها تلك الصور التي تترى، يملأها الغثيان ولا تستطيع أن تتقيأ. وفكرت مرة أخرى في الانتحار الذي ظل هاجساً متربصاً بها في غمرة سكونها وانزوائها، وشيء من دواخلها يتآكل.
(24)
تواصلت الاتصالات بين تسفاي الأول وذوي المختطفين والشبكة وسط تهديدات متواصلة منها للإسراع في توفير المبلغ المطلوب. وتواصلت المفاوضات حول المبلغ إلى أن نجح في إقناع ذوي الضحايا بدفع مبلغ ثلاثة آلاف دولار لكل واحد منهم، واتفق مع الخاطفين على دفع مبلغ ثلاثة عشر ألف دولار للخمسة مخطوفين. كان الاتفاق مقنعاً لكل الأطراف نسبة للوقت الذي استغرقه، ولم يكن في مصلحة الشبكة الاستمرار أكثر من ذلك في احتجاز هؤلاء، هناك الكثير لتقوم به في مقبل الأيام فقرر أعضاؤها الاكتفاء بهذا المبلغ.
جرت الترتيبات على قدم وساق، حيث اتصل تسفاي الأول المتواجد بالخرطوم بتسفاي آخر في مدينة كسلا لتنفيذ الخطوة الأخيرة المتعلقة باستلام المخطوفين الخمسة، بعد ان أطلعه على تفاصيل القصة كلها. وكان تسفاي الآخر ناشطاً في مجال اللاجئين، وهو أحد اللاجئين المقيمين في مدينة كسلا بعد أن استطاع توفيق أوضاعه والعمل كأستاذ ومترجم، مستفيداً من خبرته ودراسته الجامعية في كلية الآداب جامعة أسمرا، التي تخرج منها ثم هرب قبل عدة أعوام إلى السودان وسجل نفسه لدى مفوضية اللاجئين لينتقل بعدها إلى المدينة.
لم يكن تسفاي الآخر بعيداً عن قضايا اللاجئين، وقد ارتبط بإحدى منظمات المجتمع المدني السودانية العاملة في الشرق والمعنية بتقديم العون القانوني للمحتاجين في المنطقة ومن بينهم اللاجئين، وكانت تستفيد منه في الترجمة في كثير من القضايا المنظورة أمام المحاكم والمتعلقة باللاجئين وصار جزءاً منها. نقل تسفاي الآخر بدوره تفاصيل القصة كاملة  للمنظمة، للتفكير في الأمر من كافة جوانبه.
(25)
السيرة الذاتية للمنظمة تقول إنها نجحت في أداء دورها بكفاءة عالية بقدرتها على خلق علاقات وثيقة مع الجهات المعنية بقضايا اللاجئين، وبكثير من المتسللين والهاربين من جحيم إرتريا حتى لا ترمي بهم الأقدار في جحيم آخر بمحاولة تذليل العقبات التي تعترضهم والدفاع عنهم أمام المحاكم في القضايا المرتبطة باللجوء. نجحت المنظمة في تعزيز الثقة فيها لدى السلطات المحلية والأمنية ومفوضية اللاجئين والمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة للدور الكبير والمجهود الذي بذلته منذ إنشائها.
تابعت المنظمة مع تسفاي الآخر عبر اتصاله مع الخرطوم تفاصيل ما يجري هناك، والعمل على تأمين سلامة المختطفين. واتفقت الأطراف على تسليم المبلغ المحدد في الخرطوم بواسطة تسفاي الأول لعضو في الشبكة موجود في الخرطوم. ورأت المنظمة إبلاغ السلطات الأمنية في المدينة بتفاصيل ما يجري أول باعتبار أن ما يجري يدخل في نطاق سلطاتها في المدينة، والاتصال برئاستها في الخرطوم للتنسيق بينهما في المتابعة واتخاذ ما يلزم من الإجراءات.
في تلك الأثناء تواصلت الاتصالات للترتيبات النهائية لعملية التسليم والتسلم، وكان تسفاي الأول قد أبلغ السلطات الأمنية في الخرطوم أيضاً بتفاصيل ما جرى، واتفقوا على نصب كمين محكم بواسطة قوة منها لعضو الشبكة الذي سيستلم المبلغ. تمت معاينة الموقع بواسطة قائد القوة قبل يومين من التنفيذ ووضعت الخطة. فيما انشغلت السلطات الأمنية في المدينة، بعد أن علمت بترتيبات الخرطوم، بالمتابعة دون أن تتدخل مباشرة وتركت الأمر والاتصالات للمنظمة خوفاً من أي تصرف يدخل الحذر في نفوس الشبكة وبالتالي تعريض حياة المخطوفين للخطر. وافقها على ذلك طاقم المنظمة الذي كان يقف من وراء تحركات تسفاي الآخر وتقديم المشورة له دون أن يظهر إلى سطح الأحداث. وكان الاتفاق النهائي بأن يتم تسليم المخطوفين أولاً لتسفاي الآخر في مدينة كسلا ومن ثم الاتصال بالخرطوم للتأكيد على ذلك، بعدها يتم تسليم مبلغ الثلاثة عشر ألف دولار أمريكي مباشرة لعضو الشبكة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق