أمير بابكر عبدالله
بعد وصف الأمين العام لمجلس الصحافة
والمطبوعات للصحافة السودانية ب"الكناتين" وأمنياته بأغلاق مزيد من
الصحف، اعترف رئيس المجلس الدكتور علي شمو بمشكلات تواجه الصحافة السودانية
عدَّدها في الندوة التي نظمتها السفارة السودانية بالعاصمة المغربية الرباط
الأسبوع الماضي. ومن بين ما ذكر نسبة توزيع الصحف الضعيفة والتي حددها ب500 ألف
نسخة ل(46) صحيفة تصدر في السودان، لكنه برر ذلك ب"انعدام إحساس المواطن
العادي بوجود صحفي يكتب باسمه".
تجاهل السيد رئيس المجلس، بإلقائه اللوم
على الصحفيين، حقائق كثيرة قادت إلى هذه النتيجة التي وصلها حال الصحافة. أول تلك
الحقائق أن أي اتهام للصحفيين وللصحافة بالتردي والضعف يعني ضعف المجلس المعني
بتنظيم مهنة الصحافة، وقلة حيلته. وهذا الضعف لا ينفصل عن ضعف الدولة العام وعدم
قدرتها على الإيفاء بحاجات وتطلعات المواطن، فالمجلس جهة تتبع للدولة ويخضع لشروط
الضعف والقوة التي تعتريها.
رغم الحقيقة أعلاه تحاول الصحافة أن تلعب
دورها في ظل معوقات أساسية يفترض في المجلس إزالتها حتى يتسنى لها ولصحافييها أداء
الرسالة بما يحقق أهدافها المرجوة كسلطة رابعة. وكان من المفترض أن يجيب رئيس
المجلس على سؤال لماذا إنعدم إحساس المواطن بوجود صحفي يكتب باسمه؟ لأن الإجابة
تأتي من بين ثنايا الدور الافتراضي لمجلسه وما يجري على أرض الواقع.
لا أعتقد أن رئيس المجلس يعيش في جزيرة
معزولة عن ما يدور في عالم الصحافة وهو على قمة أعلى أجهزتها، وليس غائب عنه أن
الصحافة صناعة متكاملة تتداخل فيها اقتصاديات السوق مع متطلبات المهنة وفنونها
لتخرج لنا مادة صحفية كاملة الدسم. فغير تصاعد وارتفاع الورق (المدخل الأساسي
للصحافة) والضرائب وملابسات سوق الإعلان والتوزيع وغيرها، التي حاولت الصحافة
تجاوزها كعقبات دائمة في طريقها، تبقى حقيقة علاقة السلطة بالصحافة هي السؤال
الحقيقي الذي يجيب على ذلك السؤال أعلاه.
الصحافة الحقيقية لا تعيش سوى في أجواء
الحرية والديمقراطية، والسيد رئيس المجلس على علم تام بأن الحرية الصحفية تذبح ويراق
دمها نهاراً جهاراً رغم أنف القانون، وعلى علم تام بالخطوط الحمراء التي لا يجب
على الصحافة والصحفيين تجاوزها. تلك الخطوط التي تقبع خلفها كل القضايا التي تجعل
المواطن العادي يحس بوجود صحفي يكتب باسمه.
ليس بغائب عن رئيس المجلس ما تعانيه الصحف
من جراء خوف السلطة على نفسها مما يمكن أن تتناوله الصحافة من موضوعات تكشف الغطاء
عنها باستمرار. فالسلطة تحجب المعلومات عن الصحافة ولا ترفدها إلا بما تريده هي،
وهذا عامل رئيسي تجاهله السيد رئيس المجلس. وما تستطيع الصحافة أن تتحصل عليه من
معلومات سواء عن الفساد أو الانتهاكات أو غيرها لا تستطيع نشره ليس بقوة القانون
ولكن بقانون القوة عبر أجهزة تعتمد عليها السلطة في ذلك وهي أجهزة ممنوع الاقتراب
والتصوير من ممارساتها لأنها فوق القانون، فالصحف إما عرضة للمصادرة بعد (الطبع)
وما يجره ذلك عليها من خسائر أو الإيقاف المؤقت أو المصادرة الدائمة، والصحفي عرضة
للملاحقة القانونية وغير القانونية ويمكن أن يقدم لمحاكمة أمام أجهزة القضاء (وهذه
نعمة) أو يتعرض للاعتقال أو الايقاف من الكتابة.
كل هذا وغيره يجعل المواطن العادي يتساءل
عن ما فعله مجلس الصحافة والمطبوعات حتى يحس بوجود صحفي يكتب باسمه، وينعش سوق
الصحافة لتتمكن الصحف من توزيع أرقام مليونية تتناسب وعدد سكان السودان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق