العذر الأقبح من الذنب

أمير بابكر عبدالله

رغم عدم الثقة في النقل عن المركز السوداني للخدمات الصحفية (smc)، فقدرته على صياغة الأخبار لا ترقى للمستوى المهني لمركز تتوفر له كثير من الإمكانيات، ولا حتى فبركتها لتبدو مقنعة للمتلقي، إلا أن ما أورده على لسان مدير مكتب الاستعلامات بجهاز الأمن والمخابرات الوطني ونفيه أن يكون (احتجاز) محمد حسن عالم البوشي، على خلفية حديثه في الندوة التي تحدث فيها د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية بجامعة الخرطوم، يبدو كالمثل العامي الذي يقول "جات تكحلا عمتا"، أي مثل تلك المرأة التي أرادت أن تجمل عينيها بالكحل فتسببت لها بالعمى.

لكن قبل التطرق للعذر والذنب، ما لفت انتباهي أن الخبر جاء عقب النفي القاطع الذي أصدره البيان الصحفي الصادر عن مكتب مساعد الرئيس د. نافع أن يكون حرك أي إجراءات في مواجهة البوشي لاعتقاله، وأن (اعتقال) الطالب تم لأسباب أمنية ولا علاقة له بمداخلته في الندوة التي اعتبرها د. نافع جرت في الهواء الطلق وفي جو ديمقراطي حر.

النفي القاطع لمساعد الرئيس أن يكون البوشي (أعتقل) بسببه، والنفي الذي تبعه من جهاز الأمن –حسبما جاء من المركز الغير موثوق في أخباره- مؤكداً أن (إحتجاز) البوشي لا علاقة له بندوة نافع، يشتم منه رائحة الانزعاج وأن القضية ربما اتسع نطاقها لدرجة جعلت الدكنور نافع (بجلالة قدره) يحاول التملص من تلك المسؤولية. هي المرة الأولى –وربما أكون مخطئاً- التي يصدر فيها مكتب د. نافع بياناً، فطوال متابعتي للأخبار أسمع تصريحاته على الهواء الطلق ولا تأتينا خلف بيان صادر عن مكتب، فما الجديد؟

من الواضح أن هناك حساسية عالية جداً لدى جهاز الأمن والمخابرات تجاه مفردة (إعتقال)، فبينما أكد د. نافع أن المسألة هي إعتقال لأسباب أمنية، يحاول خبر (smc) أن يجمل الوضع بأنه (إحتجاز) وليس ( إعتقالاً)، وهو ما ورد أربع مرات في النص. وليس هذا بالأمر المهم فأن تحتجز شخصاً أو تعتقله وجهان لعملة واحدة (بفتح العين).

نأتي للعذر، فمع كل الصلاحيات الممنوحة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في القانون، لم يجد الخبر الذي نشره المركز الإعلامي على لسان المسؤول الأمني من حيثيات قادت إلى إحتجاز البوشي غير إعتدائه على الشرطة وتحريض طلاب جامعة الخرطوم للخروج للشارع ومهاجمة الشرطة، فهذا العذر أو السبب قبيح لسببين، الأول أن الشرطة قادرة على الدفاع عن نفسها لأن هذا الاعتداء يمثل تعدياً جنائياً ومكانه النيابة العامة والمحكمة، والثاني إن الاتهام لا يرقى لمستوى تهديد أمن الدولة أو التجسس حتى يلقي فيه الأمن بثقله مما استدعى كل هذا الاهتمام بالقضية.

ولكي يثبت الخبر أن لا علاقة (لإحتجاز) البوشي بندوة د. نافع التي كانت في يوم 22/11/2011م بينما احتجز المذكور يوم 26/12/2011م بعد أكثر من شهر عن تاريخ الندوة. هذا التاريخ لا يدعم أسباب الاحتجاز المشار إليها، بل يعزز القناعة بأن الأمر متعلق بالندوة. الاعتماد على التاريخ ينفي نفي السبب، ومن قوانين الفلسفة المادية الجدلية أن "نفي النفي إثبات"، وما يؤكد ذلك هو قول الدكتور نافع نفسه "إن كان لي من شفاعة لإطلاق سراحه أرجو أن تكون شفاعتي في أن يعمل على توجيه جهده فيما يصلح الوطن وألا يكون أداة لتحقيق الأهداف الرخيصة للمعارضة التي تحرث في البحر".

كان يمكن أن يكتفي لجهاز الأمن أن يصمت "إن لم يكن الخبر أصلاً من بنات أفكار المركز الإعلامي"، ويكتفي بمعالجة الأمر وإطلاق سراح (المحتجز) بناء على (شفاعة) د. نافع إذا كان الأمر لا يتعلق بندوته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق