المخابرات تحكم العالم 1-2

تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى الصحراء الكبرى
أمير بابكر عبدالله
تسرب خبر قض مضاجع النظام الأمني المصري أثناء التداعيات الأمنية المثيرة التي حدثت في ليبيا، قبل مقتل رئيسها معمر القذافي في ذروة تلك التداعيات. الخبر مفاده أن قائد القاعدة، الذي تولى أمرها بعد مقتل أسامة بن لادن، أيمن الظواهري تحرك من جحور أفغانستان وجبالها وتوجه في زيارة إلى اليمن. واليمن أيضاً مشتعلة ويمكن التحرك فيها بسهولة في تلك الأثناء ولكنها تشكل بالنسبة له مصدر خطر للتحركات الأمريكية الواسعة في أراضيها، لذلك لا ينوي البقاء فيها، فهو قد حدد هدفه بالوصول إلى منطقة الصحراء في أفريقيا حيث ينتشر أنصار القاعدة من المغرب العربي حتى التخوم الجنوبية للصحراء الكبرى في مالي والنيجر وغيرها. وهو أمر لا يقلق مصر وحدها وإنما يشكل هاجساً لكل الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو الذي رمى بثقله في الحرب الليبية. وهو تسريب جاء عبر قنوات أمنية واستخباراتية دولية على صلة وثيقة بالمنظومة الأمنية والمخابراتية في المنطقة وعلى رأسها المصرية.

هذا الخبر اقترن بملابسات أخرى شهدتها ليبيا وبحقائق موجودة على الأرض أثارت قدراً كبيراً من الاهتمام الدولي والإقليمي، وزادت من طينة القلق بلة إضافية، بل أثارت مخاوف حقيقية جعلت العديد من القوى الإقليمية والدولية تتحسب لها.

أول تلك الملابسات ما نشرته جريدة ليبية "عروس البحر" عن وصول تسع طائرات عسكرية من دولة عربية، بعد تحرير طرابلس من قوات القذافي، محملة بعتاد عسكري يقدر ب 100 طن (أسلحة وأجهزة اتصالات ومناظير وغيرها) سلمت لأمير الحركة الإسلامية للتغيير (الجماعة الليبية المقاتلة) سابقا السيد (عبد الحكيم بلحاج الخويلدي) والذي يتولى رئاسة (مجلس طرابلس العسكري) ، لم يظهر منها سوى أجهزة الاتصالات واختفت الأسلحة. وكنا السؤال البديهي هو: لماذا كل تلك الأسلحة وليبيا أصلاً مليئة بالسلاح من اولها إلى آخرها.

ثاني الملابسات هو طبيعة ما يحدث في ليبيا في تلك المرحلة وكيفية تصنيفه. فالتداعيات المثيرة بتحول المواجهة من تظاهرات سليمة إلى حرب مواجهة شاملة بكل الأسلحة بين الثوار وكتائب القذافي طرح أسئلة كثيرة حول طبيعة ما يجري.

اما الحقائق فأولها يقول أن ليبيا يوجد فيها موالون لتنظيم القاعدة بأعداد مقدرة، وهم الناشطون في تحويل طبيعة الثورة السلمية إلى مآلاتها المسلحة، وهم يرتبطون دون شكل بتنظيم القاعدة في المغرب العربي وامتداداته في الصحراء الكبرى.

وثانيها القلق الذي عبرت عنه الأمم المتحدة والمخابرات الغربية فيما يتعلق بالسلاح الليبي. فقد نشرت وكالة الأنباء الفرنسية من نيويورك خبراً يعبر عن ذلك القلق الأممي بعد موت القذافي، وحذر بعض مسؤولي الأمم المتحدة من أن يكون جزء من أسلحته انتقل إلى مقاتلي دارفور وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغيرهم من المتطرفين (حسب الخبر). ويرى دبلوماسيون وخبراء أن (المتمردين) أخذوا كل ما كان موجوداً في مستودعات أسلحة القذافي، وقد عبرت معظم البنادق الهجومية وقاذفات الصواريخ والرشاشات الثقيلة الحدود، بل وافاد تقرير عن أجهزة الاستخبارات الغربية أن شاحنات مملوءة بالمسدسات عبرت دارفور غرب السودان، حيث تدور حرب أهلية، وتتوجه إلى ولايتي كردفان الجنوبي والنيل الأزرق اللتان تشهدان حرب مسلحة. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد قال وزير الخارجية الموريتاني إن الأكيد هو انتقال أسلحة إلى تشاد ومال والنيجر.

إزاء هذا الوضع الماثل والتحدي الذي قطعه زعيم تنظيم القاعدة الجديد أيمن الظواهري بالتوجه إلى الصحراء الكبرى واتخاذها قاعدة لتحركاته المستقبلية، كان لابد أن يستشري القلق في أروقة الدوائر المعنية. فالنظام المصري لا يزال مسيطر عليه أمنياً بالرغم من تنحي رئيسه مبارك، وهو قادر على إدارة تلك المفات بعيداً عن ما يدور في ميدان التحرير وغيره من الميادين، فعظمه لم يهتز ولا أصابه التآكل من جراء الثورة لأن الثوابت الأمنية راسخة في بنية النظام المصري. وهو قد إدار معركته بمختلف الأسلحة مع المتطرفين الإسلاميين ولديه من المفاتيح ما يمكنه من إدارة معارك أخرى معهم، لكن ليبيا الغير مسيطر عليها الآن تقع في خاصرة مصر.

الاستخبارات الغربية ووكالة المخابرات الأمريكية كانت تنتظر ذهاب القذافي الذي طال أمده، خاصة وأنها تمكنت من السيطرة على مخزون الأسلحة الكيميائية وتلك التي تخشى من وقعها تحت أيدي لا تسيطر عليها، لتعمل على إحكام سيطرتها على الوضع وإعادة الاستقرار إلى ليبيا قبل إنفلات تلوح ملامحه في الأفق. فالضربات التي وجهها حلف الناتو والتي قللت من فعالية الأسلحة التي تمتلكها كتائب القذافي، قوت من شوكة عناصر جمعها كره نظام القذافي ولكنها سرعان ما ستبرز اختلافاتها فيما بينها متى ما زال النظام، وهو المشهد الماثل الآن والذي إذا لم يتم إحتواءه مبكراً سيزيد من تلك الهواجس والاحتمالات بنقل مركز قيادة القاعدة إلى قلب الصحراء الكبرى.

سجل مدير المخابرات العامة المصري الجديد اللواء مراد موافي أول زيارة خارجية له بعد تعيينه إلى السودان في خواتيم شهر سبتمبر من العام الحالي. الزيارة استغرقت يومين سلم خلالها رسالة من المشير حسين طنطاوي للرئيس عمر البشير تتصل بالعلاقات بين البلدين، وأجرى فيهما مباحثات مع النائب الأول علي عثمان ووزير الدفاع، وكل هذا أمر عادي وبروتوكولي لا يمت لجوهر الزيارة بصلة. فقد كانت المهمة الأساسية عقد لقاء مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وإن حملت اخبار الصحف أن الجانبين اتفقا على توسيع آفاق التعاون السياسي والاقتصادي والأمني، سيكون الأخير هو جوهر الأمر فالسياسة والاقتصاد لها قنواتها، وهو ما كشف عنه البيان المشترك الذي ذكر اليوم أن الجانبين تطرقا في إطار التشاور المستمر إلى مراجعة آليات التعاون بهدف مزيد من الدفع لأمن واستقرار البلدين. في إطار التطورات الإقليمية، يمكن التخمين، إن لم يكن الجزم، بأن جوهر الزيارة كان الوضع في ليبيا وكيفية التعامل معه ومع احتمالات تصاعد نشاط تنظيم القاعدة.

وقبل زيارة الوفد المخابراتي للسودان بعشرة أيام، زار ليبيا وفد مصري برئاسة وزير الخارجية الجديد محمد كامل في إطار ما سمي بتوثيق العلاقات بين مصر والمجلس الانتقالي الليبي. وقد كان وقتها ذلك المجلس ضعيفاً أمام ما عرف بالمجلس العسكري الذي يسيطر على المجموعات المسلحة ومعظمها تحت قيادة الجهاديين الإسلاميين. ويمكن النظر إلى تلك الزيارة من زاويتها الأمنية أكثر من زواياها الأخرى إذا أردنا قراءتها في سياقها الصحيح.

كل هذا الترتيب جاء بعد دخول الثوار الليبيين العاصمة طرابلس، وبداية النهاية الفعلية للقذافي، من أجل إعادة الإستقرار وبأسرع ما يمكن إلى الإقليم والسيطرة على أية تداعيات محتملة. فالغرب عينه على البترول الليبي ومصالحه في المنطقة بأسرها وهمه محاصرة نشاط القاعدة، والأنظمة الإقليمية عينها على استقرار أوضاعها بعد نهاية القذافي الذي كان يمثل عاملاً رئيسياً في زعزعتها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق