لا كبير على القانون


أمير بابكر عبدالله
هو كذلك في الدول التي تحترم نفسها ومؤسساتها وشعبها، في الدول التي يكون فيها القضاء مستقلاً نزيهاً لا يخاف في الحق لومة لائم ولا سلطة حاكم. ولعل الحكم الذي أصدرته محكمة فرنسية يوم الخميس الماضي بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ على الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يقف شاهداً على ذلك.
ما احتاج الأمر إلى ثورة شعبية عارمة ولا إنتفاضة جماهيرية تهز أركان الطغيان وتدك عرشه وتنهي نظام الحكم في فرنسا ليتغير مزاج مؤسساتها القضائية حسب الحالة السياسية. فالنظام الفرنسي ما زال هو النظام الديمقراطي السائد منذ عقود، وهو ذات النظام الذي أدانت سلطته القضائية المارشال فلي بيتان الذ ادين بالتعاون مع النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية.
شيراك قدم للمحاكمة بتهمة تحويل أموال عامة الى وظائف وهمية لأعوان سياسيين حين كان رئيسا لبلدية باريس بين عامي 1977 و1995، وهي الفترة التي شكَّل فيها حزبه الديغولي الجديد الذي ينتمي ليمين الوسط ليدعمه في مسعاه لتولي الرئاسة التي وصل إلى سدتها في العام 1995 لدورتين استمرت حتى العام 2007. الإدعاء العام الفرنسي اتهم الرئيس السابق شيراك بالفساد وتبديد المال العام واستغلال ثقة الشعب، ووافقه القاضي على تلك التهم بعد أن بحث ونقب في حيثيات القضية، لتتم إدانته. وقال القاضي "لقد خرق جاك شيراك واجب النزاهة المطلوب من قبل المسؤولين العاملين في الحقل العام، وذلك على حساب المصلحة العامة للباريسيين".
عندنا، وفي محيطنا العربي والأفريقي الذي يسود فيه قانون الحاكم وسلطانه، يحتاج الأمر إلى قتلى كثر وإلى جروح اكثر ودماء تسيل من أجل أن يطال سلطان القضاء، أصحاب الحظوة ولو بعد حين، ناهيك أن يطال الحاكم بأمره. هل نحتاج إلى نماذج بعد مشاهد الثورات العربية في تونس ومصر؟
إن التهمة التي ادين بسببها جاك شيراك سيضحك منها الشعب السوداني والشعوب العربية المنتفضة، فقد حول الرجل قليل من الأموال التي تخص الدولة لخاصته الذين يعينونه سياسياً بأن خلق لهم وظائف وهمية، وبذلك خرق واجب النزاهة واستغل ثقة الشعب فيه الذي انتخبه ووضعه في مقدمة صفوفه حتى صار رئيساً.
طبعاً عندنا وفي محيطنا العربي والأفريقي لا يأتي الحكام بإرادة الشعب، بل رغماً عن أنفه بإنقلاب عسكري أو بتزييف وتزوير الانتخابات، لتبدو مثل هذه التهم ترفاً قضائياً لا ينظر فيها حتى جودية المحاكم الأهلية. لذلك لا يحق للشعب أن يتطلع إلى نزاهة تحكم ضمائرهم، ولا إلى كيف يتصرفون في أمواله ويبددونها.
الأدهى من ذلك إن بلداننا، حتى بعد ان تنجح الثورات فيها في اقتلاع الأنظمة الفاسدة وتتقد أجهزتها القضائية حماسة من أجل محاكمة المسؤولين (السابقين) سواء كانوا رؤساء أو أصحاب حظوة، تعود الأمور إلى طبعها (وليس طبيعتها) بعد حين، لحدوث انقلاب أو مزاج سلطاني، رغم أن التهم التي توجه إليهم تقود إلى حبل المشنقة عشرات المرات، هذا غير التهم الخفيفة كالفساد وتبديد اموال الشعب. أما النزاهة وعدم استغلال ثقة الشعب فتلك لا ترد في قاموس الاتهامات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق