زنقة الغناء السوداني في شوارع العرب


أمير بابكر عبدالله
أثارت الأستاذة رندة بخاري في بقايا أوراقها في فنون الأحداث، قضية الغناء السوداني وحسرتها أن شهرتها لم تطبق الآفاق، وتساءلت عن ماهية الأشياء التي تحتاجها أغنيتنا السودانية لتتهافت عليها القنوات على اختلافها لشرائها وبثها. وهي قضية مطروقة منذ زمن وكتبت حولها العديد من الآراء، لكن يبدو أن موقف أحد الفنانين العرب من مغنية سودانية هو ما أثار أشجان القضية مرة أخرى، وجعل الاستاذة رندة تتأسف لعدم خروج الأغنية السودانية إلى العالم من حولنا.
لن أتحدث هنا عن التدني العام في كافة مناحي الحياة في السودان وآثاره على الرياضة والفنون والغناء، وأن نمو الأمم وتقدمها ينعكس على كل ضروب النشاط الاجتماعي. لكن سأتجاوز ذلك الواقع المريع إلى القول بإن النظر إلى الأغنية السودانية دون اعتبار للتاريخ الاجتماعي ومنابع الثقافة التي نهلت منها يقود إلى نتائج غير صحيحة.
الأغنية السودانية تتحرك في محيطها الثقافي والاجتماعي بحرية وطلاقة، وتجد من تهز وجدانه على امتداد الشريط من غرب أفريقيا وحتى شرقها. وإذا بحثنا في جوهر تساؤلاتنا سنجدها منطلقة من نظرة دونية، تتطلع إلى الآخرين رغبة في إيجاد مكان بينهم. لعل هذا ما يجعلنا ننظر ونتطلع إلى المسرح العربي، وليس كل المسرح العربي حتى، بل المسرح المصري الشامي الخليجي. دون شك هؤلاء اجتهدوا في تجويد أدواتهم الفنية، وأسسوا لذلك أكاديمياً ومهنياً، ساعدهم في ذلك إرث غنائي قديم لم يتنكروا له، وقدرات إعلامية وتسويقية فرضتهم على الساحة العربية. لكنهم لم يتجاوزوا المحيط العربي حيث تاريخهم الاجتماعي ومنابع ثقافتهم. لذلك لا يتطلعون إلى اختراق مسارح أوربا وأمريكا.
نحن نريد أن نكون جزءاً من العرب حتى في الغناء، متجاهلين حقيقة كوننا سودانيون، نلتقي معهم في بعض الأشياء، في القصة والرواية مثلاً، لأننا نستخدم نفس الأدوات وهي ادوات عامة عالمية ليست مقتصرة عليهم. لكن نختلف عنهم في كثير من الأشياء وعلى رأسها الغناء لما يتمتع به من خصوصية. مثلنا في ذلك مثل المغرب العربي أو الصومال وجيبوتي، صحيح يمكن أن نجد مغنية تونسية او جزائرية تملأ الساحة العربية ضجة، لكنها جودت ادوات الغناء حسب الطلب السائد ولم تخترق المسرح بغناء مغاربي.
القنوات العربية تتنافس فيما بينها، بإمكانيات مالية ضخمة وعوائد أضخم، لكن في الشارع المصري مثلاً الفنان المصري مصري لا ينافسه خليجي ولا سوري ولا عراقي. نحن وقعنا أسرى لتلك القنوات، وللبؤس الذي تعيشه القنوات السودانية وعدم قدرتها على تقديم ثقافتنا وفنوننا بالشكل المرضي نتطلع إلى إيجاد مساحة لنا في تلك القنوات، فإذا صوت محكم عربي لمغنية سودانية في برنامج (Arab Idol) لقامت دنيتنا بهجة وانتفخت اوداجنا مسرة، فها نحن يمكن أن ننافس في سوق الغناء العربي. وفي هذا إجحاف كبير لثقافتنا وفرادتنا.
الصين أكبر الدول مساحة في العالم، واكثر الدول سكاناً، تعتز بثقافتها وفنونها وتبذل كل غالي ورخيص من أجل تطويرها، وشهدنا كيف أبهرت العالم في الألعاب الأولمبية وهي تقدمها في طبق استثنائي ميزها عن غيرها. ونحن نريد أن نذوب في الكيان العربي ونصبح جزءاً من كل، بدلاً من تميزنا وتفردنا. ولأننا نتطلع شمالاً لا نرى مقدار الأغنية السودانية، حتى الركيك منها، في وجدان الغرب والشرق وحتى بعض الجنوب أفريقي. تلك النظرة التي ستجعلنا ننطلق، لكن في ظل دولة تعترف بأهمية الثقافة والفنون، وقبلها تعترف بالتنوع الثقافي وتديره بحيث يصب في الارتقاء بالوجدان السوداني أولاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق