واحدة وثلاثون جلدة على مؤخرة رجل - ”ست جلدات سراع“

السيد رئيس الحركة الشعبية..
في متصف نهار الثالث من فبراير 2005، استلمتنا المخابرات الإرترية في قيادة حرس الحدود الإرتري، بخطاب من استخبارات الحركة الشعبية (خطاب تسليم وتسلم)، ورحَّلتنا إلى داخل العمق الإرتري.. لم يستغرق الأمر بضع دقائق، ثم نقلتنا عربة إلى إحدى النقاط الحدودية التابعة لها في منطقة ”أديبرة“، لنبقى في الانتظار حتى السابعة من مساء نفس اليوم، وتقذف بنا بعد ذلك، على بعد ثلاثة كيلومترات من الحدود السودانية.
الصورة: د. جون قرنق - مواقع إلكترونية
في غضون أقل من ساعة وجدنا أنفسنا وقد تجاوزنا الحدود إلى داخل الأراضي السودانية، وسط بلدة ”عوَّاض“، التي استقبلنا أهلها كما يليق بأخلاق السودانيين، وعلى رأس مستقبلينا ذلك الرجل الشهم، صاحب مطعم الفول الذي قدمه لنا على طريقة ”البوش“ الشهية، ”الأمين محمد عثمان“، وأعضاء اللجنة الأمنية بـ”عواض“ الذين استضافونا في دارهم بدلاً من الزنازين..!! وأذكر منهم ”إبراهيم موسى أوشيك“ و”حسين“.. لنبدأ رحلة أخرى في ضيافة الاستخبارات العسكرية من مدينة كسلا حيث رئاسة اللواء السادس، التي التقينا فيها بالسادة (لا أعرف رتبهم العسكرية) ”محمد صالح“، ذلك الحلنقي الدمث الأخلاق أو هكذا بدا لي، و”حسن إدريس“ و”عادل ضوالبيت“ وآخرين.. أناس لا يشبهون ما نعرفه وما نسمعه عن الاستخبارات العسكرية.. سألت السيد محمد صالح مباشرة عن هذا الأمر، فقال لي إن هذا مرده إلى تصرفات فردية لا علاقة لها بمنهج العمل.. قلت له: ”ليته كذلك“.. ثم انتقلنا بعدها إلى مدينة القربة، حيث قيادة استخبارات الفرقة التي استضافتنا، وعلى رأسهم ”الرائد/محمد المصطفى“ و”عمر“ و”أيمن“.. وأحاطنا أهل القربة بكرمهم الفيَّاض، وعلى رأسهم ”عبدالله أحمد عبدالله“ و”بابكر أحمد الطيب“، و”ميسرة الأبوابي“، و”د. طارق الخير“.. وتم ترحيلنا إلى قيادة المنطقة الشرقية بالفاو، ومن ثم إلى القيادة العامة بمكاتب الاستخبارات، التي استقبلنا فيها السيد ”سيف“ و”التجاني“ و”عمر غُرفة“ وغيرهم.. لتستقبلنا الخرطوم أخيراً، ونحن نردِّد مع الشاعر محمد عبدالحي ”الليلة يستقبلني أهلي ...“
التفتُ ورائي –وأنا أتلمس خطاي في شوارع الخرطوم- لأجد الحركة الشعبية، وقد أنجزت مشروع السلام بتوقيعها على اتفاق نيفاشا بينها وحكومة النظام في السودان، لا يزال ينتظرها الكثير، بل ينتظرها مشوار طويل ستبدأه من نيمولي وحتى حلفا، ومن الجنينة حتى كسلا إن شاءت، أو إنها ستبقى على انغلاقها من نيمولي حتى حدود 1956م، إن هي آثرت ذلك.. فهي، وقد وقَّعَت ذلك الاتفاق المنفتح على كل الخيارات، أرجأت تحديد مسارها -المرتبط بمصير الوطن الواحد، أو ستصير قصة بلدين- إلى نهاية الفترة الانتقالية.
إذن، الطريق مفتوح على مصراعيه أمامها، وعليها أن تعمل من أجل أيٍ من الخيارين بكل جدية واجتهاد.. وإن كانت لا تزال تتبنى أطروحات مشروع ”السودان الجديد“، فبناؤه ليس بالأمنيات، ولكن بالعمل والسهر والسير في طريق مضنٍ.. طريق لا يشبه طرقات الغابة، بتعرجاتها والتواءاتها وكثير موانعها.. طريق منبسط، ولكنه زَلِق.. فطرقات الغابة تُرغِمُك على السير فيها، وعلى جنباتها بحذر، وتحسب خطواتك حتى لا تقع في الشراك الملغمة المنصوبة على امتدادها، ولا تفاجؤك الكمائن.. على عكس الطرق المنبسطة، التي تغريك بالسير بأقصى سرعة، ولكن عليك أن تحسن القيادة، حتى لا يفلت منك المقود، فتجد نفسك منقلباً رأساً على عقِب، في أحسن الأحوال.
إن الشعب السوداني بقطاعاته المختلفة، والذي ظل يتطلع إلى الحركة الشعبية، حتى قبل أن يختبرها ولا أن يقترب من محيط قدرتها على الممارسة السياسية التي يتطلع إليها، ينتظر منها مشهداً سياسياً مغايراً، تلعب دورها فيه باقتدار.. وهذا يتطلب منها –إن هي أرادت أن تبقى صورتها في ذاكرة الشعب كما يعتقدها- أن تبدأ في تفعيل ميكانيزماتها للإسراع بتحقيق التحول الداخلي لها لمواكبة متطلبات المرحلة المقبلة.
مطلوبات داخلية
أول المطلوبات، هو فك الارتباط التنظيمي بين هياكلها المدمجة.. فبعد ان وقعت الاتفاق، صارت مطالبة بخطوات تنظيمية إجرائية من النوع الثقيل، وهي أولوية قصوى لمقابلة التزاماتها.. فالحركة الشعبية ستعمل في ثلاث جبهات رئيسية، عليها توزيع كوادرها وقادتها ومناصيرها بعناية لشغلها بكفاءة:
- الجبهة الأولى: هي جبهة السُّلطة، وتتفرع إلى عدة جبهات، أولها السلطة التنفيذية الاتحادية، والسلطة التشريعية الاتحادية وفي الولايات الشمالية.. فحسب الاتفاق يفترض أن تشغل الحركة أكثر من 20% من السلطة.. ثم تأتي حكومة الجنوب وولاياته، بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعليها تغطية أكثر من 50% منها من جانب الحركة. إذاً هناك حكومتين مركزيتين، الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب، إضافة لحكومات 26 ولاية، يماثلها سلطة تشريعية بذات العدد.
- الجبهة الثانية: هي العسكرية، فهي إضافة لجيشها الشعبي الذي سيظل مرابطاً حتى نهاية الفترة الانتقالية في ظل قيادة منفصلة، يتعين عليها تكليف قيادات في القوات المشتركة مع الحكومة حسب التوزيعات المشار إليها في بروتوكول الترتيبات العسكرية والأمنية. ويبدو المشهد أنها ستضطر إلى تصعيد الكثير من الكوادر الوسيطة لسد الثغرات الناشئة من جرّاء ترتيبات السلطة.. وهي ما قبل التوقيع على اتفاق السلام، ظل اهتمامها وتركيزها الأول على تدعيم قدراتها العسكرية، حيث ظل خيرة قادتها يباشرون العمل العسكري بشكل أو آخر. وهذا الفراغ الذي سيخلقونه بمغادرتهم لتلك المواقع لشغل مواقع لا علاقة لها بالعمل العسكري سيضعف من أداء الجيش الشعبي لفترة قد تطول وقد تقصر. هذا غير مشاركتها في الأجهزة الأمنية الأخرى.
- أما الجبهة الثالثة فهي جبهة الحركة الشعبية السياسية.. وهي الأهم، لأنها سترتبط مباشرة بالجماهير والممارسة السياسية اليومية، مما سيكشف كثيراً من العورات، إن هي لم تجوِّد الأداء، وتقصد إلى فعل سياسي مغاير، وتبتعد عن الغرق في مستنقع الممارسة السياسية التي عرفتها الجماهير طوال خمسين عاماً، وكانت السبب في هذا الدمار الذي تشهده البلاد، ومات من مات بسببه من العباد.
من خلال هذا الموجز، واضح أن الحركة الشعبية في موقف عصيب يضعها مباشرة أمام اختبار سياسي، الإجابات على أسئلته من الصعوبة بمكان، وتتطلب قراءة جيدة لقدراتها، وخريطة واضحة المعالم لتحالفاتها.. فالكراسي الشاغرة –على صعيد الجبهات الثلاث- أكبر من قدرات الحركة الشعبية لملئها إذا كانت تريد الجودة في أدائها خلال الفترة الانتقالية.. وهي مرحلة لا تحتمل مناورات الغابة، ولا سياسة ”رزق اليوم باليوم“ للوصول إلى مكاسب سياسية آنية.
الحركة شريك في السلطة
على صعيد السلطة، فالحركة الشعبية شريك أساسي مع المؤتمر الوطني في الحكومة المقبلة، وبالتأكيد الحديث عن برنامج الحكومة بعيداً عن هذه الحقيقة يبقى ضرباً من الوهم.. فهو برنامج ستلقي عليه المرحلة السابقة بظلالها، وسيلقي عليه الشريك الأساسي، والحفاظ على ما تبقى له من مصالح بظلاله، كما ستلقى عليه الحركة الشعبية ومصالحها بظلالها.. ثم إنه محكوم، في عمومياته، ببنود اتفاقية نيفاشا التي وقَّع عليها الطرفان، ولكن تظل تفاصيله تحتمل الحد الأدنى الذي يلبي مصالح الطرفين بشكل أساسي.
لكن الحركة الشعبية مطالبة بالإعلان عن برنامج سياسي يهدف إلى وضع اللبنات الأولى لمشروع ”السودان الجديد“. وهو برنامج مزدوج يستهدف المواطن والسودان وخدمته من جانب، ويستهدف الإنسان السوداني في الجنوب والجنوب كإقليم من الجانب الآخر.
إذا كانت مرحلة ما قبل السلام قد فرضت على الحركة الشعبية إقامة سلطتها المدنية منفردة في الأراضي التي سيطرت عليها، فهي مسؤولة الآن عن تحقيق التحول الديمقراطي في الجنوب، وهي التي لها اليد الطولى في السلطة فيه بموجب الاتفاق.. وهي إن كانت مضطرة للتعامل وفق الواقع –الذي فرضه الاتفاق- على المستوى الاتحادي، ففي الجنوب سيتجلى مدى التزامها بما كانت تطرحه على المستوى النظري.. وبالرغم من أنها استبسلت طويلاً على طاولة مفاوضات الإيقاد للوصول إلى تقنين شرعية سيطرتها على الحكم في الجنوب، ومشاركتها في الحكم الاتحادي، إلاَّ إنه عليها إبداء مرونة كبيرة في تعاملها مع الآخرين، وتمليكهم حقوقهم السياسية المشروعة التي ساهمت هي بشكل رئيسي في انتزاعها، وأن لا تطل شرعية نضالها الطويل وتضحياتها التي قدمتها طوال سنوات بوجهها، وتلقي بظلالها، وهي تحاول إبداء تلك المرونة.. وتلك آفة ”التشبث بالسلطة“ لازمت كثير من الحركات الثورية، والتهمت أطروحاتها ورؤاها، وأفرغتها من محتوياتها الإيجابية.
الحركة لذلك مطالبة هنا –في حكومة الجنوب- بوضع برنامج، واضحة معالمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، منطلق من رؤاها وأفكارها حول ”السودان الجديد“، وكيفية بناءه.. إن نجاحها -هنا في موطنها- في إنزال شعاراتها إلى أرض الواقع، سيعزز كثيراً، ويشكل دعماً قوياً لها، وللمنادين ببناء ”السودان الجديد“ في كل السودان، ويؤكد قدرتها على الخروج من مآزق الشرعية الثورية إلى آفاق الشرعية الدستورية.. وهي آفاق لها مسارات مختلفة عن مسارات الغابة، ولكنها مليئة بالعقبات.
الحركة والوحدة
كما وإن مسئولية كبرى تقع على عاتقها في دعم وتقوية النزعات الوحدوية داخل تلك البرامج، فلا أحد مسئول غيرها هنا –في الجنوب- أثناء الفترة الانتقالية عن ذلك.. فمن خلال تلك البرامج يمكنها الدفع بمكونات ومقومات الوحدة إلى الأمام، إن هي أرادت لنفسها التمدد سياسياً من حلفا إلى نيمولي.. ففضاء النزعات الانفصالية، الذي ساهمت هي فيه، بشكل أو بآخر، أثناء حرب التحرير الطويلة الأمد، هو الجنوب، وليس الشمال.. ويمكن لها أن تلعب دوراً سلبياً في ذلك، إن هي قررت الاكتفاء بحكم الجنوب، وذلك بتقوية النزعات الانفصالية عبر برامج سياسية حكومية وحزبية تهدف إلى تقويض أركان الوحدة داخل ذهنية المواطن السوداني في الجنوب، دون أن يكون الشمال طرفاً فيها.. إن الوحدة التي يسمونها ”جاذبة“ مسئولية الحركة الشعبية أكثر من غيرها، فهي الشريك الأصيل في الحكومة الاتحادية، وهي صاحبة الغنيمة الأكبر في حكم الجنوب.. كما وإن الاتفاقية واضحة المعالم.. وإن كانت بها عيوب، لكنها ستظل تمتلك القدرة على صنع وحدة خلاقة في إطار التنوع السوداني، وستبقى الحركة الشعبية هي حجر الزاوية في تحقيق ذلك.
غير هذا، فإن الدور الكبير المناط بها لعبه في الحكومة الاتحادية سيعزز من كفاءة أداء حكومتها في الجنوب.. فهي، غير أنها ستكون أكبر شريك في السلطة لحزب المؤتمر الوطني، فإن هيئة الرئاسة (أو مجلسها) لا تكتمل بدونها، هذا على مستوى كل القرارات ذات الشأن والتي تتطلب موافقة ممثلها في تلك الهيئة. وذلك سيسهل عليها فتح قنوات شمالية جنوبية تؤسس فعلاً لوحدة على نحو جديد، وحدة قائمة على التراضي.. قائمة على العدل والمساواة، في الحقوق والواجبات.
مطلوباتها شمالاً
مثل مطلوباتها جنوبياً، فإن لتعاملها في الحكومة الاتحادية، التي هي جزء منها الآن، ولدورها الذي ستلعبه داخل المسرح السياسي في الشمال، التي هي جزء منه، شروطه كذلك.. فهي بعد فرضها لواقع جديد بتوقيعها على اتفاق السلام، وضعت حصانها أمام عربة الممارسة السياسية، والتحول الديمقراطي، والحفاظ على حقوق الإنسان.. وهي إن واجهتها عقبات أثناء مرحلة الكفاح المسلح، كما يمكن أن تبرِّر هي، أو تجد من يبرر لها، فعليها الآن إحداث التحول الديمقراطي داخلها أولاً، بعقد مؤتمر تنظيمها السياسي المفروض فيه إجازة هيكلها التنظيمي وبرنامجها السياسي وكافة برامجها ومتعلقاتها الحزبية التي تحقق تلك الخطوة الهامة في مسيرتها.
وطالما أن الساحة أمامها مفتوحة على مصراعيها الآن، والجماهير صارت تتطلع إليها كبديل سياسي قوي، بعد أن كانت تتطلع إليها كقوة عسكرية ضاربة، فإن عليها الترسيخ لممارسة سياسية مغايرة وجادة، بدلاً من الممارسات السياسية ”المصلحية“، التي ظلت متبعة منذ عقود، ومعتمدة على مناهج غير سوية، مثل المؤامرات والدسائس الكيدية، والتي وقعت في حبائلها مثل غيرها، وانغمست فيها أثناء فترة كفاحها المسلح.. فالحركة الشعبية ما عادت تلك النجمة البعيدة المضيئة بالنسبة لجماهير الشعب السوداني، والتي ظلت تنتظر بيانات انتصاراتها العسكرية عبر الراديو والفضائيات، وخطبها النارية ضد الأنظمة الحاكمة، بل هي الآن قلب السلطة الحاكمة، وجسد سياسي يتحرك وسطها، وفكرٌ وبرامج وممارسة، عليها أن تلامس الواقع حتى تتفاعل معها تلك الجماهير، وتحاكمها علي اليومي منها والاستراتيجي.
السيد رئيس الحركة الشعبية..
أعلم إنني أثقل عليكم بهذه الرسالة المطولة، وإن وقتكم ليس فيه من المجال ما يسمح لكم بقراءتها، فالمهام التي أنتم مطلعون بها جسام.. ولكني أثق في أنكم -متى ما وجدتم الوقت اللازم لقراءتها- ستولونها عنايتكم.. لذلك دعني أتقدم باعتذار، ولو كان متأخراً، عن تكبدكم مشقة قراءتها.
سيدي الرئيس..
إنني وإن قررت مخاطبتكم مباشرة، عبر هذه الرسالة المطولة، فإنني آثرت تمليكها للكافة.. فهي تجربة لم تعد تخصني، أو تخص الحركة الشعبية فقط، بل هي ملك للعامة، طالما ارتبطت بالممارسة السياسية ومنهج الإدارة الحزبية، وطالما ”انتهى عصر التخفي وراء الحروف والرموز“.. وأهدف من وراء نشرها إلى عرض وجهة نظري الخاصة فيما حدث من جانب، وفي تلمسي لجوانب اعتقدت أنها مهمة في ممارسة ومسيرة الحركة الشعبية، من جانب آخر.. إضافة إلى بعض الرؤى التي قد تبدو وجيهة، وتتفق مع رؤاكم، لمجمل الممارسة السياسة في السودان.
كما أهدف من وراء نشرها إلى إنصافي من الظلم الذي وقع عليَّ من قيادتكم في الجبهة الشرقية، ولست أسعى من وراء ذلك إلى إنصاف مادي، بل ستنصفونني بكل حيادية إذا ما ارتقت الحركة الشعبية بالممارسة السياسية السودانية إلى آفاق الشفافية، وترسيخ مفاهيم الممارسة الديمقراطية الحزبية أولاً، وعلى مستوى الدولة والمجتمع ثانياً.. كما ستنصفونني بتعزيز أركان مشروع ”السودان الجديد“ عبر برامج واضحة، تهدف إلى إزالة الفساد وقطع دابره، وإلى تنمية حقيقية تنهض بالسودان جميعه، وإلى قطع الطريق أمام التجاوزات لحقوق الإنسان، وذلك لن يتم إلاَّ بقدرات كبيرة، وعبر آليات عمل ضخمة، ومن خلال حشد أوسع للطاقات.. هذه هي الحركة الشعبية، التي ظل الكثيرون يتطلعون إليها، وهي قادرة على تحقيق ذلك إن شاءت، كما وإنها قادرة على إزالة كل التشوهات الملتصقة بجسدها، وتلك الأورام قبل أن ”تتسرطن“، إن هي تجاوزت تلك العقلية الاستعلائية المقابلة لاستعلاء ”المركز“، أو كما يقول الفيزيائيون: ”المساوية له في المقدار.. المضادة له في الاتجاه“.
السيد رئيس الحركة الشعبية..
اسمح لي، وعبر هذه الرسالة الموجهة لكم، أن أتقدم بالشكر إلى العديد من الأطراف والأشخاص الذين لا يسعني إلاَّ أن أفعل ذلك تجاههم.. وأبدأ أولاً بكل من وقف إلى جانبنا مؤازراً ومنتصراً لقضيتنا، وإلى كل من قدَّم لنا مساعدة من أي نوع ونحن داخل أسوار السجن، ولكل من طالب بإطلاق سراحنا أو عمل عليه بأي درجة.
أخص بالشكر الكاتب الكبير الأستاذ محمد محمد خير، الذي حيَّر الإرتريين بكتاباته النافذة، وعباراته الرشيقة، التي ناصرتني وشدت من عضدي وأنا أرزح تحت وطأة القهر المخابراتي الإرتري، والتي قرأتها بشغف وفخر بعد خروجي.
وللصديق ”الفذ“ عادل عبدالعاطي، الذي لم يألُ جهداً، ولم يترك منبراً إلاَّ وطرقه من أجل التبصير بأمر اعتقالنا، ونشره.. ووقوفه بصرامة وقوة مطالباً بإطلاق سراحنا، سواء من المعتقلات الإرترية أو سجون الحركة الشعبية، إنطلاقاً من مبدأ ثابت وعقيدة راسخة عنده بحق الإنسان في الحرية.. له الشكر الذي يستحقه.
وكذلك الصديق معتز عثمان عبدالرحمن ”الفحل“، القيادي في الحركة الوطنية الثورية ”فتح“، وعضو المكتب التنفيذي للتجمع الوطني الديمقراطي، الذي كانت لزيارته لنا، إبان وجودنا في المعتقلات الإرترية، فعل السحر وكبير الدعم المعنوي، وكان لدعمه العيني الذي سرَّبه إلينا، رغم أنف الحراسة الإرترية، كبير الأثر في نفوسنا.
والشكر أيضاً للأستاذ أحمد عبدالرحمن، القيادي في تنظيم ”مجد“، الذي كان لزيارته، ولذلك التنوير الضافي الذي قدَّمه لنا كبير الأثر في تجاوزنا لتلك الفترة العصيبة.
أيضاً أُجزِل الشكر إلى بعض أفراد سرية الجيش الشعبي، التي كانت ترابط قرب موقع اعتقالنا لدى المخابرات الإرترية، وتؤدي مهاماً إدارية هناك.. وأفراد قوة الحركة الثورية الذين لم يبخلوا علينا بتقديم العون.. ولأولئك الأشاوس الصامدين من ”قوات التحالف السودانية“، الذين اخترقوا كل حواجز العزلة المضروبة حولنا، وهم يسرِّبون إلينا الأخبار الشفاهية، والأوراق التي تحمل الكثير مما جعلنا نواكب الأحداث، دون انقطاع، ونقيِّم موقفنا بشكل أقرب إلى الصحيح من ناحية، وتكفُّلهم بمدِّنا بكل ما نطلبه عينياً في حدود قدراتهم.
ولن يفوتني في هذه السانحة التقدم بالشكر لأفراد بعينهم في الجيش الشعبي، وعلى رأس هؤلاء أفراد سجن ”ربدة“: مشار – رقيب السجن، أنقوي، مديت، دينق ذلك الدينكاوي القصير الذي قدَّم لنا الكثير من العون من حُرِّ ماله، جستنياك أو ”مكاناموتو“.. وللذين رافقونا رحلة السجن، وعلى رأسهم من الضباط: مشار أتوير، ماكوير، ديفيد، ستيفن.. ومن الأفراد: مجوك، أبوحديد، أليكو، مشار، وغيرهم.. ومن الأسرى: الهادي، عبدالباقي، وغيرهما..
وفي سجن ”خور ملح“، من الإدارة: الملازم طون، مجاك، دينق مرتاح، بيتر.. ومن النزلاء: عيدي، أكوت أكوت، جمال، محمد علي حماد، عبدالله حجر، عمنا إيليا.. وكثيرين آخرين.
كل هؤلاء، وغيرهم من الذين قدموا لنا العون، بشكل أو بآخر، كان لهم الدور الأساسي في تجاوزي لتلك المرحلة، بقساوتها وجفافها، وخففوا علينا وطأة السجن، ومحاولات القهر التي حاول "السادة الكبار" ممارستها ضدنا.. فلهم جميعاً كل تقدير.
يوليو 2005م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق