أمير بابكر عبد الله
نشرت في موقع ألترا صوت
لم يكن مفاجئاً أن تختم غرف الطواريء السودانية
العام الجاري بفوزها بجائزة المعهد الملكي للشؤون الدولية، المعروف بـ"تشاتام
هاوس" في لندن، للعام 2025. فما أنجزته غرف الطواريء شيء أشبه بالمعجزة تحت
وطأة حرب ضروس وظروف حياتية أقل ما يمكن أن توصف به أنها غير مناسبة للآدميين، لما
خلفته من آثار وحشية.
ومعروف أن الحرب السودانية، التي اندلعت في 15
أبريل 2023 ولا تزال مستمرة، تسببت في انهيار مؤسسات الدولة وتدهور الخدمات الأساسية
أو انقطاعها في أجزاء واسعة من البلاد. وخلف خروج بعض المنظمات الإنسانية فراغا
كبيرا، الأمر الذي سبب معاناة للمدنيين المستضعفين الذين يحتاج الملايين منهم
للمساعدات الإنسانية الضرورية، وأدت إلى
نزوح الملايين من مناطقهم الأصلية إلى ولايات مستقرة نسبياً، وبعضهم اختار اللجوء
إلى دول الجوار، بينما بقيت النسبة الأكبر من المدنيين داخل مناطق النزاع وداخل
خطوط نيران المعارك.
في هذه الظروف عملت غرف الطواريء السودانية
ومنذ الطلقة الأولى في مساعدة المدنيين سواء داخل مناطق النزاع أو في مراكز النزح
واللجوء، لمقابلة الاحتياجات اليومية والخدمية من غذاء وصحة إلى محاولات جادة
لمواصلة تعليم الأطفال.
هذه الجهود الاستثنائية في الاستجابة
للاحتياجات الانسانية التي تصدى لها شباب وشابات من مختلف أنحاء السودان، كانت
مثار دهشة للكثيرين في العالم ووجدت من الاستحسان والتشجيع ما جعل من غرف الطواريء
حاصدة للجوائز العالمية.
جوائز مستحقة
أمس الجمعة، أعلن المعهد الملكي الدولي فوز غرف
الطوارئ السودانية بجائزة تشاتم هاوس لعام 2025،
تقديرًا لدورها الحيوي في تقديم الدعم الإنساني خلال الحرب المستمرة في
السودان.
وسبق لغرف الطواريء الحصل على عدة جوائز مرموقة
بما فيها الترشيح لجائزة نوبل للسلامة ثلاث مرات خلال عامين 2024 ـ 2025 بواسطة
معهد أبحاث السلام في أوسلو.
في سبتمبر الماضي حصلت على جائزة
"رافتو" لعام 2025، التي تعرف ايضا بجائزة نوبل البديلة. وسبق ان فازت
بجائزة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان لعام 2025، وجائزة ريتشارد سي. هولبروك
للمناصرة الدولية لعام 2025، والتي تمنحها منظمة ريفيوجي انترناشيونال الدولية،
ورشحت منصة إيدكس السنوسي آدم، منسق الاتصال الخارجي لـ "غرف طوارئ
السودان" في السودان، لجائزة "جائزة البطل الإنساني للعام 2025".
كيف نشأت الغرف؟
لم يكن ظهور غرف الطواريء في المشهد السوداني
منبتَّاً وبغير جذور، وإنما جاءت من صميم أعراف وتقاليد راسخة في المجتمع
السودانين وهو ما يعرف بـ"النفير".
النفير هو تقليد سوداني أصيل يقوم على التعبئة
الجماعية لمساعدة فرد أو مجتمع في مواجهة أزمة، مثل بناء منزل، مساعدة في موسم
الحصاد، أو الإغاثة من الكوارث الطبيعية. كما يستخدم مصطلح "النفير
العام" للدلالة على حشد الناس لمواجهة عدو خارجي. ووجد النفير طريقه في عصر
العولمة والتكنولوجيا مساحات واسعة عبر شبكات الانترنت، وتوسع في خدمة الاحتياجات
الإنسانية الطارئة.
تلك هي القاعدة التي استند عليها بناء غرف
الطواريء السوداني، وأهم ما يميزها هو لا مركزيتها التنظيمية، فكل منطقة أو مدينة
لها غرفتها أو مجموعة غرفها التي تنسق فيما بينها من أجل الاستجابة الانسانية
الطارئة للاحتياجات المدنيين. وقد استندت في بنيتها التنظيمية اللامركزية على إرث
لجان المقاومة السودانية التي كان لها القدح المعلى في ثورة ديسمبر 2018 التي
أطاحت بحكومة الرئيس عمر البشير، واستمرت كمنظومة مقاومة تستهدف تحقيق أهداف
الثورة أثناء الفترة الانتقالية.
يقول محمد العبيد، مسؤول لجنة التقارير في غرفة
طوارئ ولاية الخرطوم، في تقرير نشرته أخبار الأمم المتحدة "بدأنا في استخدام
الشبكات الشبابية الكبيرة التي تم بناؤها في أعقاب ثورة ديسمبر، وتلكم الشبكات
التي تكونت بهدف الاستجابة لجائحة كـوفيد-19. كان تركيز هذه الشبكات محددا، ولكن
جرى توسيعها بعد الحرب للتعامل مع سياق الحرب. تضم هذه الغرف طيفا مختلفا من
الشباب من لجان المقاومة ومن منظمات المجتمع المدني وأصحاب المهن الحرفية مثل
الأطباء والمهندسين في مجالات المياه والكهرباء. حاولنا إيجاد هيكلة بسيطة وعملية
لتنفيذ المهام بعيدا عن البيروقراطية".
غرف طواريء نسوية
في مناطق نزح الفارين من جحيم الحرب، وخاصة في
الولايات الشرقية للبلاد، برزت أهمية غرف الطواريء، وكأن للمرأة السودانية دور
بارز في الجهود المجتمعية في ولاية كسلا.
تقول الاستاذة نداء الحاج لـ"ألترا
صوت" إن النساء والفتيات، في ولاية كسلا ومدنها، سارعن للانضمام بجانب الشباب
لتقديم العون للنازحين وتوفير المأوى والغذاء والمياه والملبس العلاج. وأشارت إلى
أن أول رقم حساب بنكي لتلقي للتبرعات المجتمعية كان باسم إحدى الشابات.
وتواصل الحاج " ولخصوصية النساء، تكونت
غرفة الطوارئ النسوية لتلبية احتياجات النساء من حقائب صحية ومستلزمات خاصة
بالنساءو حقائب مواليد ومساعدتهن للوصول لمستشفى الولادة وجلسات للدعم النفسي
ومواد غذائية". وتضيف "تم تأهيل وتدريب جزء من الشابات النازحات
لادماجهن في غرف الطواريء، وعمل جلسات
اجتماعية بين النازحات والمجتمعات المضيفة في كثير من أحياء المدينة والأطراف".
من يمول غرف الطواريء؟
وجدت أنشطة غرف الطواريء، في بداياتها،
واستجابتها لاحتياجات المدنيين في مناطق النزاع ومناطق النزوح دعماً كبيراً من
المجتمعات المحلية في السودان ومن السودانيين العاملين في الخارج، في ظاهرة استدعت
تقليد "النفير". وساهم الكثير من المقتدرين والخيرين في تمويل احتياجات
الغذاء للمطابخ العامة "التكايا" التي تشرف عليها غارف الطواريء.
شكل العاملين بالخارج والمهاجرين في أوربا
وأمريكا، غرف عمليات ومنصات لمقابلة احتياجات المطابخ الجماعية في السودان.
يقول الصادق اسماعيل، مسؤول في منصة السودان
للزراعة والأمن الغذائي بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية، إنهم ومنذ
اندلاع الحرب انخرطوا في تنظيم السودانيين من أجل جمع التبرعات وتنظيم المعارض
والفعاليات من أجل ذلك.
وكشف لـ"ألترا صوت" أن نشاطهم تجاوز
المطابخ داخل السودان إلى أماكن لجوء السودانيين في دول الجوار في أثيوبيا ويوغندا
وجنوب السودان وتشاد ومصر. وقال إن المنصة، بخلاف تمويل التكايا، تمكنت من توفير
تمويل مشروع خاص لدعم النساء في معسكر للجوء في أثيوبيا، ونجحت في إخراج 15 إمرأة
في المعسكر من مربع الاعتماد على الإعانات فقط إلى مربع الاعتماد على النفس والانتاج.
لكن الأبرز في مسألة التمويل، ولأن حجم
الاحتياجات يتجاوز تلك القدرات المحلية خاصة أن تداعيات الحرب طالت عشرات الملايين
من السودانيين، كان هو المنظمات الدولية وتبرعات الحكومات الخارجية لغرف الطواريء
والمطابخ المجتمعية.
ففي ظل عدم قدرة المنظمات الدولية الوصول إلى
المدنيين في مناطق النزاع، والقيود المفروضة على حركة المنظمات الدولية في السودان
والمعوقات التي تعترض طريقها، لجأت إلى دعت غرف الطواريء. ويتم توجيه الدعم من
خلال الشراكات مع المنظمات المحلية، ويشمل المساعدات النقدية، والإمدادات الطبية،
وتجهيزات النظافة الصحية، ودعم البنية التحتية، بالإضافة إلى بناء القدرات.
منظمات دولية متعاونة
من أبرز المنظمات التي دعمت غرف الطواريء
السودانية من أجل تقديمها لخدمات أفضل للمتضررين والمحتاجين، برنامج الغذاء
العالمي التابع للأمم المتحدة الذي تعاون مع غرف الطوارئ لتوزيع المواد الغذائية
على السكان المحتاجين، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها.
كما دعمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر
المستشفيات المحلية في السودان بتقديم المساعدة الفنية والمواد اللازمة لإجلاء
الجرحى وتوفير الخدمات الجراحية والرعاية الصحية الأساسية. وكذلك منظمة
"أنقذوا الأطفال" تعمل على دعم الأطفال وعائلاتهم في السودان، وتوفر
المساعدات النقدية الجماعية وغرف الطوارئ لدعم الأنشطة الإنسانية. وكذلك منظمة
"أطباء بلا حدودالتي ظلت تقدم الدعم لـ 21 مستشفى و12 مركزًا صحيًا في 11
ولاية سودانية، وتقدم خدمات العلاج في حالات الطوارئ والإمدادات الطبية والمياه.
ودعمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية غرف
الطوارئ في ولايات شرق السودان وكردفان الكبرى والنيل الأزرق ببرامج بناء القدرات
وتوفير المعدات مثل أجهزة الكمبيوتر. ومنظمة ميرسي كوربس التي قدمت مساعدات نقدية
وقسائم للمواطنين المتضررين.
ووجدت غرف الطواريء دعما من الاتحاد الأوروبي
واللجنة الدولية للإنقاذ بتقديم مساعدات منقذة للحياة لما يقرب من نصف مليون شخص
في مناطق مثل القضارف والنيل الأزرق والخرطوم. وشمل الدعم مساعدات نقدية،
ومستلزمات النظافة، ودعمًا للبنية التحتية الصحية.
تحديات مستمرة
على الرغم من هذا الدعم الدولي، واجهت غرف
الطوارئ تحديات كبيرة، مثل نقص التمويل، وصعوبات الإجراءات الإدارية، وتعرضها
للمخاطر الأمنية في مناطق النزاع. كما يؤكد البعض على الحاجة إلى تنسيق أفضل مع
المنظمات المحلية لضمان أن المساعدات تلبي احتياجات المجتمعات المحلية.
الوضع الأمني كان هو التحدي الأكبر الذي ظل
يواجه أعضاء غرف الطواريء، سواء في مناطق الحرب أو في الولايات الآمنة نسبياً. فقد
ظل المتطوعون عرضة للاعتقالات المستمرة في المناطق تحت سيطرة القوات المسلحة
السودانية أو في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع تحت دعاوى التعاون مع أحد الأطراف
والاتهام بالتخابر لصالح طرف أو آخر، بينما وقتل العشرات من المتطوعين في غرف
الطواريء بسبب الحرب.
أشار الصحفي السوداني، خالد ماسا، إلى التحدي
الأمني ظل يواجه المتطوعين في منطقة شرق النيل بالعاصمة أثناء سيطرة قوات الدعم
السريع عليها، وخاصة المستشفيات والمراكز التي تقدم الخدمات الصحية للمدنيين.
وقال لـ"ألترا صوت" إن التحدي الأبرز
كان التعدي المتكرر للمستشفى الوحيد بالمنطقة، تارة بالتهجم على العاملين وبإطلاق
الرصاص وتارة بضرب واعتقال الكوادر الطبية والمتطوعين.
كشف عن أشكال من الاعتداءات والانتهاكات
المختلفة منها منع وصولها للمستشفى من قبل طرفي النزاع سواءً كانت قادمة من داخل
أو خارج الولاية.
وقال عضو بغرفة طوارئ
البراري لـ"الترا سودان"، في خبر نشر أغسطس الماضي إنهم يتعرضون
لمضايقات مستمرة من عناصر النظام السابق، بغرض إبعادهم عن العمل الخدمي والإنساني
في المنطقة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق