صعود وسقوط أيقونة أفريقية. آبي أحمد علي: من فائز بجائزة نوبل للسلام إلى تهديد أمني إقليمي؟

 المؤلف: ماريو لوزانو ألونسو

دكتوراه في التاريخ والآثار. أستاذ مشارك في جامعة سان داماسو الكنسية

نشر بالانجليزية في مجلة المعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية

ISSN-e: 2255-3479

الملخص

تسعى هذه المقالة إلى تحليل الأحداث الرئيسية التي وقعت في إثيوبيا منذ تولي رئيس الوزراء آبي أحمد السلطة في أبريل 2018 حتى سبتمبر 2024. خلال الأشهر الأولى من ولايته، تمتعت شخصيته العامة بصعود صاروخي، وتوجت بحصوله على جائزة نوبل للسلام في عام 2019 ، ليصبح بعد ذلك غير محبوب على نطاق واسع في البلاد، خاصة بين شعبي الأورومو والتيغراي.

ستناقش المقالة هنا نجاحات سياسته، المكثفة في أيديولوجية "مدمّر" (Medemer) ، بالإضافة إلى إخفاقاته، خاصة تلك المتعلقة بحرب تيغراي، وصراع الأورومو، والتمرد الأمهرى في فانو، والأزمة الأخيرة بشأن وصول إثيوبيا إلى ميناء على البحر الأحمر.

 1.     المقدمة

إثيوبيا بلد التناقضات الشديدة، ليس فقط بسبب جغرافيتها وتنوعها الثقافي، ولكن أيضاً بسبب تاريخها السياسي الحديث. مع عدد سكان يزيد عن 110 ملايين نسمة واقتصاد نما بمعدلات تقارب 10% سنوياً حتى عام 2016 ، كان من المقرر أن يصبح البلد واحداً مما يسمى "الأسود الأفريقية"، والقوى الصاعدة في القارة. ومع ذلك، فقد تعايش هذا التقدم الاقتصادي مع النظام السياسي الإثني الفدرالي، الذي اتسم بالتوترات العرقية والتوزيع غير المتكافئ للثروة الذي أبقى الكثيرين في حالة فقر.

وفي هذا السياق من الاضطرابات المتزايدة، مثل وصول آبي أحمد علي إلى السلطة في عام 2018 تغييراً تاريخياً. بصفته رئيساً للوزراء وزعيماً للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية (EPRDF)، وعد آبي أحمد بإضفاء الطابع الديمقراطي على البلاد، والمصالحة مع إريتريا بعد عقود من العداء، وتحويل الاقتصاد من خلال سلسلة من الإصلاحات الهيكلية. أثار صعوده موجة من الأمل داخل إثيوبيا وخارجها، وبلغت ذروتها بمنحه جائزة نوبل للسلام في عام 2019.

ومع ذلك، سرعان ما أفسح هذا التفاؤل الأولي المجال لخيبة الأمل. سعى نموذج آبي السياسي، القائم على أيديولوجية "مدمّر" (Medemer) (والتي تعني "التآزر" باللغة الأمهرية) ، إلى مركزة السلطة والتغلب على النظام الإثني الفدرالي القائم منذ عام 1995. وأدت هذه الاستراتيجية إلى توترات مع الجماعات التي تمتعت تقليدياً بحكم ذاتي نسبي، وخاصة في تيغراي وأوروميا وأمهرة، مما أثار صراعات مسلحة عنيفة مثل حرب تيغراي (2020-2022) وحركات التمرد في أورومو وأمهرة. علاوة على ذلك، فشلت الإصلاحات الاقتصادية، المصممة لجذب الاستثمار الأجنبي وتحديث القطاعات الرئيسية، في معالجة المشاكل الهيكلية مثل التضخم ونقص العملات الأجنبية، مما أثار استياء بين السكان بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.

على الصعيد الدولي، حاول آبي أحمد وضع إثيوبيا كلاعب رئيسي في منطقة القرن الأفريقي ، لكن طموحه لتأمين ميناء على البحر الأحمر أدى إلى توتر العلاقات مع الصومال ومصر، مما زاد من الإضرار بسمعته. تتعمق هذه المقالة في التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي لإثيوبيا في الفترة من 2018 إلى 2024، وتقيّم إنجازات وإخفاقات آبي أحمد في فترة حرجة من التاريخ الإثيوبي. ومن خلال تحليل الأحداث الرئيسية من الأدبيات التي تم إصدارها مؤخراً، تهدف المقالة إلى تقديم نظرة عامة على التحديات التي يواجهها هذا القائد وبلده.

 

2.      السياق: إثيوبيا ونظام الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية (1991-2018)

كانت إثيوبيا حتى عام 1974 إمبراطورية قديمة، حكمها أباطرة ينحدرون من سلالة سليمان، وكانت تتميز بالمركزية الهائلة التي تدور حول الطبقة النبيلة الأمهرية في الهضبة (شمال ووسط إثيوبيا). انتهى هذا النظام بـ "الانقلاب العسكري الماركسي" الذي نفذه نظام الـدِرغ بقيادة منغستو هيلا مريم. على الرغم من أن هذا النظام سعى إلى إضفاء الطابع "الإثيوبي" على السلطة عن طريق دمج المجموعات العرقية الأخرى في الجيش والبيروقراطية، إلا أنه حافظ على قبضة مركزية قوية.

بدأت التوترات تتصاعد عندما أدت القسوة في القمع والـمجاعة (التي أودت بحياة ما يقدر بمليون شخص بين عامي 1983 و 1985) إلى حركات مقاومة مسلحة. كانت حركتان هما الأكثر تنظيماً: جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF)، والجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (EPRDF)، وهي ائتلاف من الجماعات العرقية المختلفة، التي كانت تسيطر عليها الـ TPLF بشكل فعال.

أدت هزيمة الدِرغ وسقوطه في عام 1991 إلى إقامة نظام جديد بقيادة ملس زيناوي، زعيم الـ TPLF. أقر هذا النظام دستوراً جديداً في عام 1995، يُعرف باسم النظام الفدرالي الإثني. تم تقسيم إثيوبيا إلى تسع مناطق إقليمية مستقلة إلى حد ما، لكل منها الحق النظري في تقرير المصير، بما في ذلك الانفصال. كان الهدف من هذا النظام هو استيعاب تنوع البلاد من خلال الاعتراف بحقوق الأغلبية العرقية وكسر المركزية التي كانت تمارسها الطبقة النبيلة الأمهرية.

كان هذا النظام الفدرالي الإثني، الذي كان فريداً من نوعه في أفريقيا، يواجه تناقضاً كبيراً: كان يُنادي بـ "حقوق الجماعات العرقية" بينما كانت الـ TPLF تسيطر على جميع أجهزة الدولة، مما خلق حالة من الفدرالية القمعية.

بموت ملس زيناوي في عام 2012، تم تعيين هيلي مريام ديسالين، وهو تقني من مجموعة عرقية صغيرة (الوَلّايتا)، كرئيس للوزراء، لكن السلطة الحقيقية ظلت في أيدي مجموعة من الـ TPLF. كان ديسالين يفتقر إلى الكاريزما والسلطة الداخلية، مما أدى إلى تآكل سلطة الـ EPRDF.

كان هذا التدهور يتزامن مع تحول اقتصادي هائل، حيث شهدت إثيوبيا نمواً اقتصادياً قوياً (حوالي 10% سنوياً) مدفوعاً بالاستثمارات العامة الصينية والتركية، وتطور الزراعة، وتنمية صناعة النسيج. هذا النمو عزز الطبقات الوسطى الحضرية، خاصة في أديس أبابا. ومع ذلك، لم يكن هذا الثراء موزعاً بالتساوي، مما أدى إلى غضب شعبي متزايد، خاصة بين شباب الأورومو والأمهرة.

ظهرت موجات من الاحتجاجات العنيفة بين عامي 2015 و 2018، مدفوعة بـ مقاومة الأورومو (Qeerroo) وشباب الأمهرة (Fano). كان أحد الأسباب الرئيسية لهذه الاحتجاجات هو خطة "أديس أبابا الكبرى" التي كانت ستقضي على الأراضي الزراعية لشعب الأورومو حول العاصمة.

في هذا السياق المتوتر، ومع استقالة هيلي مريام ديسالين في فبراير 2018، تولى آبي أحمد علي منصبه في أبريل 2018. كان آبي أحمد، وهو من مجموعة الأورومو العرقية، قد تم اختياره من قبل حزب الأورومو الديمقراطي (OPDO) بهدف تهدئة الوضع.

 

3.     آبي أحمد في السلطة: الآمال والإصلاحات

شهدت الأشهر الأولى من ولاية آبي أحمد ثورة سياسية حقيقية، حيث أحدث سلسلة من التغييرات الجذرية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ إثيوبيا الحديث. كان الهدف المعلن لهذه التغييرات هو "تحرير" البلاد من سنوات القمع، ومنح دور أكبر للطبقات الوسطى الحضرية، وإعادة تأسيس إثيوبيا كلاعب إقليمي.

3.1. المصالحة مع إريتريا وجائزة نوبل للسلام

كان الإنجاز الأكثر رمزية والملفت للنظر هو إنهاء الحرب الباردة التي استمرت عقدين مع إريتريا. فمنذ حرب 1998-2000، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 80,000 شخص، بقيت الدولتان في حالة "لا حرب ولا سلام"، مع استمرار التوتر على طول الحدود، على الرغم من أن محكمة دولية كانت قد قررت بالفعل ترسيم الحدود المتنازع عليها.

في يوليو 2018، سافر آبي أحمد إلى أسمرة والتقى بالرئيس الإريتري إسياس أفورقي. أسفر هذا الاجتماع عن توقيع اتفاق سلام تاريخي، أنهى عقوداً من العداء وفتح الحدود والروابط الجوية والاتصالات بين البلدين. سمح هذا السلام المفاجئ لآبي أحمد بأن يُنظر إليه على أنه "صانع سلام" إقليمي رئيسي. كما ضمن له في عام 2019 الفوز بـ جائزة نوبل للسلام.

كانت المصالحة مع إريتريا لحظة حاسمة:

بالنسبة لإثيوبيا: خففت من العبء الأمني الثقيل، وفتحت طريقاً محتملاً للوصول إلى البحر الأحمر عبر موانئ إريتريا، وقلصت من تأثير الـ TPLF الذي كان ينظر إلى إريتريا كعدو أبدي له.

بالنسبة لآبي أحمد: رسخت صورته كـ "بطل التغيير" عالمياً، مما منح إصلاحاته الداخلية دعماً دولياً قوياً في البداية.

3.2. التحرير السياسي والاقتصادي

بالتوازي مع جهوده في السياسة الخارجية، أطلق آبي أحمد سلسلة من الإصلاحات الداخلية التي فاجأت المراقبين:

الإفراج عن السجناء السياسيين: تم إطلاق سراح الآلاف من المعارضين والصحفيين والسجناء السياسيين فوراً، بمن فيهم قادة جماعات إرهابية مصنفة سابقاً مثل جبهة تحرير الأورومو (OLF) وقادة حركة جبهة تحرير أوغادين (ONLF)، الذين سُمح لهم بالعودة إلى البلاد.

إصلاحات الدولة: تم إلغاء قانون مكافحة الإرهاب سيئ السمعة الذي كان يُستخدم لقمع المعارضة، وتم تغيير قيادة أجهزة المخابرات والأمن الفدرالية التي كانت تهيمن عليها الـ TPLF سابقاً.

الإصلاح الاقتصادي: أعلن آبي أحمد عن خطة خصخصة واسعة، سعياً لـ "تحديث الاقتصاد" وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. شملت هذه الخطة قطاعات رئيسية مثل الاتصالات (إثيو تيليكوم)، والطاقة، وشركات الشحن والخدمات اللوجستية. كان الهدف هو الحد من هيمنة الدولة وإضفاء ديناميكية أكبر على اقتصاد البلاد.

3.3. أيديولوجية "مدمّر" (Medemer)

كانت هذه الإصلاحات مدفوعة بفلسفة آبي أحمد التي أطلق عليها اسم "مدمّر" (Medemer)، وهي كلمة أمهرية تعني "التآزر" أو "التضافر". تم تقديمها في كتابه الذي يحمل نفس الاسم في عام 2019.

كانت "مدمّر" تهدف إلى:

الوحدة الوطنية: تجاوز الانقسامات العرقية التي عززها النظام الفدرالي الإثني للـ EPRDF، والدعوة إلى "التركيز على الهوية الإثيوبية المشتركة" بدلاً من الهويات العرقية الضيقة.

مركزية الدولة: استعادة السلطة المركزية التي كانت قد تآكلت بفعل اللامركزية الإثنية.

الليبرالية الاقتصادية: استبدال النموذج الاقتصادي الموجه من الدولة (أو الذي تسيطر عليه الـ TPLF) بآخر أكثر انفتاحاً على السوق.

كانت الخطوة السياسية الأكثر جذرية المستوحاة من "مدمّر" هي حل الـ EPRDF وتأسيس "حزب الازدهار" (Prosperity Party) في أواخر عام 2019. كان هذا الحزب يهدف إلى جمع الأحزاب الإقليمية التابعة للائتلاف القديم تحت مظلة وطنية واحدة، باستثناء الـ TPLF التي رفضت الانضمام إليه، مما أدى إلى القطيعة النهائية بين آبي أحمد وقيادة تيغراي.

 

4.     التحول: من التحرير إلى الصراع العرقي والسياسي (2019-2020)

على الرغم من إنجازات آبي أحمد المبكرة واعترافه الدولي، لم يمر برنامجه السياسي "مدمّر" دون انتقادات أو مقاومة. فقد كان الهدف الأساسي للـ "مدمّر" - وهو إنشاء هوية إثيوبية موحدة على حساب الهويات الإثنية الإقليمية - تحدياً مباشراً للنظام الفدرالي الإثني الراسخ منذ عام 1995، وقد أثار هذا البرنامج الشكوك والعداوة لدى الأطراف التي استفادت من الحكم الذاتي.

4.1. التوترات مع التيغراي

كانت جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF)، التي حكمت إثيوبيا بالكامل تقريباً بين عامي 1991 و 2018، هي الخصم الأكبر لآبي أحمد. فقد رأى قادة التيغراي، الذين فقدوا السلطة والنفوذ في أديس أبابا بعد وصول آبي، في فلسفة "مدمّر" تهديداً لوجودهم.

الخلاف حول حزب الازدهار: عندما أسس آبي أحمد "حزب الازدهار" ليحل محل الـ EPRDF في أواخر عام 2019، رفضت الـ TPLF الانضمام. واعتبروا هذه الخطوة غير دستورية ومحاولة لمركزة السلطة وإنهاء النظام الفدرالي الإثني.

القطيعة السياسية: أدت القطيعة إلى انحسار نفوذ قادة التيغراي، الذين عاد معظمهم إلى مقلي، عاصمة منطقة تيغراي. أدت التوترات المتصاعدة إلى توقف شبه كامل في العلاقات بين الحكومة الفدرالية وحكومة تيغراي الإقليمية.

تأجيل الانتخابات: كان من المقرر إجراء انتخابات عامة في أغسطس 2020، لكن آبي أحمد قرر تأجيلها إلى أجل غير مسمى بسبب جائحة كوفيد-19. رأت الـ TPLF في ذلك "انقلاباً دستورياً"، ورفضت شرعية حكومة آبي بعد انتهاء ولايتها الرسمية. وبشكل تحدٍ، مضت حكومة تيغراي قدماً في إجراء انتخاباتها الإقليمية الخاصة بها في سبتمبر 2020، مما اعتبرته الحكومة الفدرالية "غير قانوني".

4.2. تنامي المقاومة في أوروميا

كان آبي أحمد نفسه من عرقية الأورومو، وهي أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، لكنه واجه مقاومة متزايدة في منطقته الأصلية. لقد كان برنامج "مدمّر" يُعتبر خيانة من قبل بعض القوميين الأورومو، الذين شعروا بأن آبي أحمد يركز على وحدة إثيوبيا ويقلل من شأن مطالبهم العرقية.

اغتيال هاشالو هوندسا: في يونيو 2020، اغتيل الفنان والمغني الأورومي الشهير هاشالو هوندسا، الذي كانت أغانيه رمزاً لمقاومة الأورومو. أدى اغتياله إلى اندلاع أعمال عنف جماعية واضطرابات في جميع أنحاء منطقة أوروميا وأديس أبابا.

القمع: ردت الحكومة بقمع عنيف. تم اعتقال آلاف من شباب الأورومو، بما في ذلك سياسيون ومعارضون بارزون مثل جوهر محمد وبكلي جربا.

الصراع مع جيش تحرير أورومو: أدى هذا القمع إلى تصاعد حدة التمرد المسلح لـ جيش تحرير أورومو (OLA)، وهي مجموعة منشقة عن جبهة تحرير الأورومو (OLF). بدأت المجموعة تسيطر على مناطق واسعة من غرب وجنوب أوروميا، مما أدى إلى تجدد الصراع العرقي والمسلح.

4.3. الصراعات الإثنية الإقليمية

في الوقت الذي كانت فيه العلاقات متوترة مع تيغراي وأوروميا، اندلعت صراعات أخرى حول حق تقرير المصير الإقليمي. كان أبرزها الصراع في منطقة سيداما، التي أجرت استفتاءً ناجحاً في عام 2019 لتصبح منطقة إقليمية خاصة بها.

لقد كشف هذا الانقسام المتزايد أن نموذج "مدمّر" لم ينجح في تهدئة المشاعر القومية العرقية؛ بل على العكس من ذلك، فإنه قد أطلق العنان لمطالب جديدة، بينما كان يقمع المطالب القديمة. أصبحت إثيوبيا بحلول أواخر عام 2020 غير مستقرة بشكل كبير، حيث كان النظام الفدرالي الإثني يتفكك، وكانت الحكومة المركزية تراهن على المواجهة النهائية مع قادة تيغراي.

 

5.     حرب تيغراي (2020-2022): من عملية حفظ النظام إلى صراع إقليمي شامل

في 4 نوفمبر 2020، تحول التوتر السياسي بين الحكومة الفدرالية الإثيوبية وقيادة جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF) إلى صراع مسلح شامل.

5.1. اندلاع الحرب والتدخل الإريتري

اندلعت الحرب بعد أن هاجمت قوات موالية للـ TPLF عدة قواعد للقيادة الشمالية للجيش الوطني الإثيوبي (ENDF) في تيغراي. ادعت الـ TPLF أن الهدف من الهجوم كان الاستيلاء على الأسلحة رداً على حصار وشيك من قبل الحكومة الفدرالية. في المقابل، وصفت حكومة آبي أحمد هذا الهجوم بأنه "عمل خيانة" و**"خط أحمر تم تجاوزه"**.

في غضون ساعات، أعلن آبي أحمد بدء "عملية إنفاذ القانون" بهدف القبض على قادة الـ TPLF. كان هدفه الأولي هو عملية عسكرية سريعة ومحدودة، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع مدمر ومطول.

كان العامل الحاسم في المراحل المبكرة من الحرب هو التدخل العسكري المباشر للقوات المسلحة الإريترية. على الرغم من أن إريتريا كانت قد وقعت للتو اتفاق سلام مع إثيوبيا، إلا أن الرئيس إسياس أفورقي كان يشارك آبي أحمد عداءه العميق للـ TPLF، التي كان يعتبرها عدوه التاريخي. عبرت القوات الإريترية الحدود الشمالية لتيغراي وقاتلت إلى جانب القوات الفدرالية الإثيوبية.

أدى هذا التحالف الإثيوبي-الإريتري إلى:

احتلال مقلي: سيطرت القوات الفدرالية والإريترية على مقلي، عاصمة الإقليم، في أواخر نوفمبر 2020.

جرائم حرب: أشارت تقارير دولية متعددة إلى ارتكاب فظائع وجرائم ضد الإنسانية في جميع أنحاء تيغراي، بما في ذلك مذابح ضد المدنيين، واغتصاب منهجي، واستخدام التجويع كسلاح حرب.

انتشار القتال: سرعان ما تم إشراك القوات الخاصة الأمهرية والميليشيات المسلحة (فانو) في القتال، بهدف استعادة أراضي غرب تيغراي (المعروفة باسم ولقايت)، والتي يدّعي الأمهرة ملكيتها التاريخية.

5.2. قلب الموازين والانتشار خارج الإقليم

خلال عام 2021، قلب ميزان القوى موازين الحرب. ففي يونيو 2021، نجحت قوات دفاع تيغراي (TDF)، وهي قوة قتالية جديدة للـ TPLF، في طرد القوات الفدرالية والإريترية من مقلي واستعادت معظم الإقليم.

تصاعدت حدة الحرب بشكل كبير عندما قررت قوات الـ TDF الغزو خارج تيغراي:

الغزو جنوباً وشرقاً: تحركت قوات TDF جنوباً باتجاه أديس أبابا، وسيطرت على مدن استراتيجية في أمهرة وعفر (مثل ديبري سينا وديسي وكميسي)، مهددة العاصمة.

التحالف المضاد لآبي: في نوفمبر 2021، أعلنت تسع جماعات مسلحة، بما في ذلك الـ TPLF وجيش تحرير أورومو (OLA)، عن تشكيل الجبهة المتحدة للقوات الفدرالية الإثيوبية (UFFEA) بهدف إزاحة آبي أحمد من السلطة.

أدى هذا التهديد المباشر لأديس أبابا إلى قيام آبي أحمد بحشد وطني واسع، حيث دعا المدنيين إلى حمل السلاح والانضمام إلى الجبهة. كما أعلن آبي أحمد عن نيته قيادة القوات بنفسه في خطوة رمزية.

5.3. اتفاقية بريتوريا للسلام (نوفمبر 2022)

بعد أشهر من القتال العنيف وتدخل الطائرات المسيّرة (التركية والإيرانية والصينية) التي كانت حاسمة في دعم القوات الفدرالية، تم دفع الـ TPLF إلى موقع دفاعي. أدت الضغوط الدولية، إلى جانب الأزمة الإنسانية الكارثية والمجاعة الوشيكة، إلى بدء محادثات السلام بوساطة من الاتحاد الأفريقي.

في 2 نوفمبر 2022، وقّعت الحكومة الفدرالية الإثيوبية والـ TPLF على "اتفاقية بريتوريا لوقف الأعمال العدائية الدائم" في بريتوريا، جنوب أفريقيا.

كانت الشروط الرئيسية للاتفاقية:

نزع سلاح الـ TPLF: نزع سلاح المقاتلين التابعين للـ TPLF تدريجياً وإعادة دمجهم.

إعادة الإعمار: استئناف تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية في تيغراي.

الانسحاب الإريتري: على الرغم من أن إريتريا لم تكن طرفاً مباشراً في الاتفاق، إلا أنه نص على انسحاب جميع القوات الأجنبية من تيغراي.

كانت اتفاقية بريتوريا نصراً سياسياً لآبي أحمد، حيث ضمنت تفكيك التهديد العسكري للـ TPLF. ومع ذلك، تركت الاتفاقية قضايا حاسمة دون حل، أهمها مصير غرب تيغراي (ولقايت)، التي ظلت تحت سيطرة القوات الأمهرية والإريترية، مما زرع بذور صراع مستقبلي.

 

6.     مرحلة ما بعد بريتوريا: صعود أمهرة، استمرار الصراع في أوروميا، والتوتر الإقليمي حول ميناء البحر الأحمر (2023-2024)

أنهت اتفاقية بريتوريا لعام 2022 الصراع المسلح في تيغراي، لكنها لم تجلب الاستقرار للبلاد. بل على العكس من ذلك، تسببت في تحولات جذرية في المشهد السياسي، حيث أدت إلى ظهور جبهة صراع جديدة في منطقة أمهرة، في الوقت الذي تصاعد فيه القتال في أوروميا، وبرزت أزمة إقليمية جديدة بشأن الموانئ.

6.1. التمرد الأمهرى (الفانو)

كانت جماعات الفانو المسلحة في أمهرة من حلفاء الحكومة الفدرالية الرئيسيين خلال حرب تيغراي، مدفوعين بالرغبة في استعادة منطقتي ولقايت ورايا المتنازع عليهما مع تيغراي. ولكن بعد اتفاقية بريتوريا، شعر الأمهرة بالخيانة:

الخيانة حول ولقايت: على الرغم من أن اتفاقية بريتوريا نصت على بقاء ولقايت تحت السيطرة الأمهرية حتى يتم حل النزاع بـ "آليات سياسية"، إلا أن آبي أحمد بدأ في ممارسة الضغط على القوات الأمهرية للانسحاب من مناطق أخرى محتلة داخل تيغراي.

حل القوات الإقليمية الخاصة: في أبريل 2023، أصدرت الحكومة الفدرالية مرسوماً بحل جميع القوات الإقليمية الخاصة (Liyu Hail)، بما في ذلك قوة أمهرة الإقليمية الخاصة الكبيرة، ودمج أفرادها في الجيش الوطني أو الشرطة.

أدى هذا القرار إلى اشتعال الغضب في أمهرة، حيث رأت الفانو في خطوة حل قواتها الإقليمية محاولة لـ نزع سلاحها وترك المنطقة بلا دفاع في مواجهة عودة محتملة لقوات تيغراي، أو مواجهة التمرد المستمر لجيش تحرير أورومو.

الصراع المسلح: تحولت الفانو إلى تمرد شامل ضد الحكومة الفدرالية. اندلع القتال في أغسطس 2023، مما أدى إلى سيطرة الفانو على مدن رئيسية مثل قوندر وبحر دار، وتدمير البنية التحتية.

فرض حالة الطوارئ: رداً على ذلك، فرض آبي أحمد حالة الطوارئ واستخدم القوة الجوية وقواته الفدرالية لقمع التمرد، مما أدى إلى اعتقالات جماعية ومقتل مئات المدنيين. بحلول عام 2024، ظلت أمهرة في حالة صراع داخلي دائم.

6.2. استمرار العنف في أوروميا

في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تتعامل مع صراع أمهرة، استمر الصراع مع جيش تحرير أورومو (OLA) في التزايد. فجيش تحرير أورومو، الذي تم تصنيفه رسمياً على أنه "جماعة إرهابية" من قبل البرلمان الإثيوبي، زاد من نطاق عملياته، خاصة في غرب ووسط أوروميا.

كانت المفاوضات بين الحكومة وجيش تحرير أورومو، التي بدأت في نوفمبر 2023، قد انهارت في وقت مبكر من عام 2024. وقد طالب جيش تحرير أورومو بالاعتراف بمنطقة أوروميا الفدرالية وحق تقرير المصير، بينما أصرت الحكومة على تسليم أسلحتهم دون تقديم تنازلات سياسية كبيرة.

أدى هذا الصراع إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث تسبب في نزوح كبير داخلي للمدنيين وتدهور أمني على طرق التجارة الرئيسية.

6.3. أزمة الموانئ: التوتر مع الصومال

في يناير 2024، فاجأ آبي أحمد المنطقة بإعلان اتفاق مثير للجدل مع إقليم صوماليلاند (الذي أعلن انفصاله عن الصومال ولكنه غير معترف به دولياً). كان الاتفاق يمنح إثيوبيا، وهي دولة حبيسة، وصولاً مؤجراً إلى ميناء بحري وموقعاً عسكرياً على البحر الأحمر، مقابل الاعتراف المحتمل بجمهورية صوماليلاند.

الرد الصومالي القاطع: أثار الاتفاق غضباً هائلاً في مقديشو (الصومال)، التي أدانت الاتفاق باعتباره "انتهاكاً لسيادتها ووحدتها الإقليمية". استدعت الصومال سفيرها وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل.

التداعيات الإقليمية: رأى العديد من المراقبين في هذا التحرك تصعيداً خطيراً في القرن الأفريقي، حيث أظهر آبي أحمد استعداداً لزعزعة الاستقرار الإقليمي من أجل تحقيق طموح إثيوبيا التاريخي في الوصول إلى البحر.

التهديد الإقليمي: بدأ يُنظر إلى آبي أحمد، الفائز بجائزة نوبل للسلام، على أنه قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة، مما أثار قلقاً دولياً بشأن الاتفاق وتأثيره المحتمل على العلاقات بين إريتريا ومصر (اللتان تتنافسان على النفوذ في المنطقة).

 

7.      الخلاصة

شهد آبي أحمد علي، خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2024، تحولاً جذرياً في صورته وشخصيته. بدأ كـ "بطل الإصلاح"، وحائز على جائزة نوبل للسلام، ولكنه انتهى به المطاف كـ "قائد متورط في حروب عرقية وصراعات إقليمية خطيرة.

نجاحات الإصلاح: كانت الفترة الأولية لآبي أحمد (2018-2019) مليئة بالنجاحات، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء السياسيين، وفتح الاقتصاد، وتحقيق السلام التاريخي مع إريتريا.

فشل "مدمّر": فشلت أيديولوجية "مدمّر" في تحقيق هدفها المتمثل في تجاوز الانقسامات العرقية. بدلاً من ذلك، أدى سعيه نحو المركزية إلى تأجيج الصراعات، مما دفع البلاد إلى حرب أهلية مدمرة في تيغراي، وتمرّد مسلح مستمر في أوروميا، وظهور تمرد الفانو في أمهرة.

العزلة والتهديد الإقليمي: على الصعيد الدولي، أدت خطوته الجريئة بشأن ميناء صوماليلاند إلى تدهور علاقاته مع الصومال وزيادة التوتر في القرن الأفريقي، مما جعله يُنظر إليه كتهديد أمني إقليمي.

في النهاية، يبدو أن حكم آبي أحمد لم ينجح في حل التناقض الأساسي في إثيوبيا: التناقض بين المركزية الإثيوبية التي يدافع عنها وبين النظام الفدرالي الإثني الذي تطالب به الأغلبية الساحقة من السكان. لقد أدت جهود آبي أحمد لـ "توحيد" البلاد إلى زيادة تفكيكها وتعميق انقساماتها، مما ترك إثيوبيا في عام 2024 أكثر انقساماً وعنفاً وتوتراً مما كانت عليه عندما وصل إلى السلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق