تحديث القوات المسلحة.. خارطة طريق (1-2)

الإصلاح، إعادة التنظيم، إعادة الهيكلة، إعادة البناء والتطوير
(أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم)
صدق الله العظيم
بقلم: عميد (م) السر أحمد سعيد
الصورة: القوات المسلحة - مواقع إلكترونية
التقديم
الجزء الأول. أسس تحديث القوات المسلحة
الاتجاه الجديد في العالم صغر الجيوش والاستعاضة عن الأعداد بالتقتية (جيش                 صغير ذكى).
العامل الإقتصادى.
تطبيق الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام.
محاربة العقيدة التي أدخلتها الحركة الإسلاموية في الجيش السوداني.
إعادة هيكلة وزارة الدفاع والقيادة العامة.
العقيدة الجديدة التي تتماشي ومفاهيم ثورة ديسمبر 2018 المجيدة.
العوامل الجيوبولتيكية المؤثرة.
الجزء الثاني  ــ  خطة طريق تحديث القوات المسلحة
كيفية معالجة المشاكل القائمة أو الموروثة.
التعامل مع قوات الدعم السريع.
استيعاب مقاتلى الحركات المسلحة.
تدريب الأفراد المستوعبين.
الإنصهار.
التوزيع الاستراتيجي المتوازن.
الخلاصة
التقديم
1.كثر الحديث في الآونة الأخيرة، بعد اتفاق السلام في جوبا الموقع في الثالث من أكتوبر من العام 2020م، حول إصلاح القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى. لقد ورد في الوثيقة الدستورية الموقعة في السابع عشر من أغسطس العام 2019م  تعبير إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بما في ذلك القوات المسلحة واشترطت أن يترك ذلك للأجهزة نفسها. وأيضاً جاء فى وثيقة سلام جوبا المذكورة أعلاه وفي بند الترتيبات الأمنية أن المرحلة الرابعة هي: إصلاح وتحديث وتطوير القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى.
2.لقد شاركت في وحضرت كثير من ورش العمل والسمنارات التي اقامتها عدد من الدور الثقافية أو مراكز البحوث المختلفة ووجدت معظمها يركز على مفاهيم الإصلاح وضرورة ابتعاد القوات النظامية عن السياسة وكذلك ضرورة خضوعها للحكم المدنى لضرورات المساءلة والمحاسبة وما إلي ذلك.
3.لقد اخترنا من بين تلك المصطلحات المستخدمة مثل الإصلاح، إعادة التنظيم، إعادة الهيكلة، إعادة البناء والتظوير وغيرها، مصطلح "التحديث" لشموليته، ولأنه يعالج الكثير من المشاكل التي صنعها النظام البائد والتي أصبحت معوقا لبناء الأمة السودانية. لقد نجحت ثورة التغيير العظيمة التي اندلعت في ديسمبر من العام 2018م في اقتلاع أسوأ نظام ديكتاتورى جربته القارة الإفريقية، ووضعت مفاهيم جديدة في يد الجماهير خاصة حول قواتها النظامية. وبلا شك فإن القوات المسلحة السودانية كمؤسسة من مؤسسات الدولة السودانية هي الأجدر بالانتباه والاهتمام في ظل الثورة والتغيير وما ينشده هذا الشعب الأبي.
4.في هذه الورقة سنتناول في جزءين معضلة كيفية تحديث القوات المسلحة السودانية في ظل ثورة ديسمبر المجيدة، وفي أعقاب الإطاحة بذلك النظام البائد، والظروف التي خلقتها الثورة  لتحقيق ذلك. في الجزء الأول سنناقش فيه المسببات التي دفعتنا للمناداة بالتحديث ثم في الجزء الثاني سنتاول خطة طريق مختصرة للوصول بالتحديث إلى الغايات المرتجاة.
الجزءالأول   ــــ أسس تحديث القوات المسلحة
عام 
5.المراقبون من العسكريين والخيراء لما يجرى في العالم اليوم، يؤكدون أن الحرب الحديثة آخذة في التغير وكأنما هناك جيل جديد من الحرب آخذ في التشكل. فبحسب الحرب الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني اليوم، اندلعت الحرب في فبراير من العام 2022م، يرى المتابعون أن ظهور أسلحة جديدة  كالطائرات المُسيًرة  مثل (بلاك هورنيت) وكذلك صواريخ هيمارس الأمريكية المتطورة أخذت تصنع فارقا كبيراً في نتائج الحرب. فقد ساعدت هذه الأسلحة وغيرها من وقف التقدم الروسي داخل الأراضي الأوكرانية، والتي كان الروس يأملون أن تكون مثل الحرب الخاطفة فإذا بها تطول ويجد الروس أنفسهم في مستنقع لا نهاية له.                                       
6.انطلاقاً من هذه الفرضية وكذلك بعض الدروس الأخرى من الحرب في اليمن التي يشنها الحوثيون بصواريخ مختلفة الأنواع وطائرات بدون طيار من حليفهم الإيراني، وعلى ما يبدو أن الجيوش في العالم تنطلق نحو ذلك التوجه الذي يجعلها جيوشاً صغيرة ولكنها ذكية وعالية الفعالية.  من هنا نرى ضرورة اغتنام فرصة التغيير الذي جرى في السودان ليتم تحديث القوات المسلحة لتواكب العصر وفي انطلاقها نحو ذلك ستتمكن من معالجة كثير من الاختلالات وعدم التوازن داخلها وداخل الوطن.                                  
الاتجاه نحو التقنية العالية
7.إن التحديث للقوات المسلحة السودانية يأتي من فرضية أن عدداً من الدول المجاورة يفوق عدد سكانها المائة مليون وربما أكثر بينما سكان السودان  يبلغون نحو الأربعين مليوناً، ولذلك هناك ضرورة دفاعية في تعويض ذلك النقص المقارن عدديا بالتقنيات العالية في نظم التسليح والإعداد على النحو الذي فعلته كثير من الدول. الباكستان مثلاً تحاول تعويض النقص العددى أمام الهند بالتقنيات العالية، وكذلك الدول الخليجية في مقابل التهديدات المجاورة لهم.
8.كذلك حدود الدولة السودانية المفتوحة، والتي تبلغ ألاف الكيلومترات، لا يمكن تغطيتها إلا برادارات أو طائرات بدون طيار على نحو واسع الاستخدام. ولأن تقنيات الشبح والطائرات المسيرة أصبحت حقيقة ماثلة، وكذلك الآليات المسيرة عن بعد والتي ربما تدخل الخدمة قريباً في بعض الجيوش الحديثة، وكذلك قدرات القيادة والسيطرة التي رأيناها في طائرات الأيواكس  وغيرها من وسائل، ستكون من الحقائق الملموسة على الأرض قريباً. لكل ذلك نرى ضرورة وضع الخطط الدفاعية والسياسات والاستراتيجات لمقابلة ذلك .
العامل الإقتصادى
9.إن العامل الاقتصادى لإعادة بناء قوات المسلحة سيكون عاملا هاماً ورئيسياً في ذلك . إن الاحتياج لعدد كبير من الأفراد حملة البنادق ربما لا تكون الحاجة لهم ماسة، فالواجبات الرئيسية لذلك الجندى البسيط يمكن أن تؤدى بمنتهى الكفاءة والجدارة  بواسطة المجندين حسب خطة التجنيد الإلزامي. إن الجندى البسيط حامل البندقية المتفرغ لتلك المهنة (المتطوع)،  يكلف خزينة الدولة فوق المائتي ألف جنيه من مرتب وعلاوات وسكن وملابس ومعدات وعلاج وما شابه شهرياً، فإذا كان نصف الجيش أى (50%) منه حملة بنادق والجيش الكلى يصل إلى مائتي ألف سيكون نصفهم  حملة بنادق أى مائة ألف، فحينئذ ستبلغ التكلفة الكلية  مائتى مليار شهرياً وفي العام ستبلغ ما يزيد على الـ(200000000000) وهو رقم ضخم  بكل المقاييس. وعليه نرى ضرورة إحلال المجندين إجباريا مكان هؤلاء لأن المجند لا يعطى سوى منحة شهرية فقط . 
اتفاق جوبا  لسلام السودان
10.إن اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في 3/10/2020م نعتقد أنه فرصة ذهبية لعملية تحيث وتطوير القوات المسلحة  السودانية، رغم ملاحظاتنا الضرورية والهامة التي ناشدنا المسئولين للانتباه لها وتعديلها، لقد نصت الاتفاقية في الفصل الثامن (الترتيبات الأمنية) من الباب الثاني لاتفاق السلام (مسار دارفور) أن يتم تنفيذ هذه الترتيبات الأمنية على أربعة مراحل :
أولا : وقف العدائيات.
ثانيا : وقف إطلاق النار.
ثالثا : نزع السلاح، التسريح وإعادة الدمج (دي  دي آر).
رابعا : إعادة هيكلة وتطوير وتحديث الأجهزة الأمنية.
11.لقد جاء في المرحلة الثانية من الترتيبات الأمنية (وقف إطلاق النار) أن يتم دمج المقاتلين من حملة السلاح في القوات المسلحة. من المؤكد أن تنفيذ ذلك يحتاج إلى تخطيط واستعداد وبكيفية تفصيلية لتحديد من هم الذين سيتم دمجهم في القوات المسلحة ومن هم الذين سيتم دمجهم في باقي الأجهزة الأمنية. (سنناقش ذلك في الجزء الثاني بطريقة أكثروضوحا).  إذ إننا نرى  أن ذلك  يجب ربطه بالمرحلة الثالثة من هذه الترتيبات الأمنية (نزع السلاح، التسريح ثم إعادة الدمج) ثم بعد ذلك تأني المرحلة الرابعة وهي (إعادة هيكلة وتطوبر وتحديث القوات المسلحة). وكل هذه المراحل تتزامن ويتم تنسيقها لنصل إلى الهدف النهائي وهو قوات مسلحة صغيرة وذكية وبعيدة تماما عن العمل السياسي.
العقائد العسكرية 
12.يبدو أن استخدام مفهوم العقيدة العسكرية قد شابه نوع من سوء الفهم أو حدث تضارب  حوله من كثرة تداوله بين المثقفين من المدنيين والخبراء المختصين. مصطلح عقيدة يعنى أن هناك معان وإجراءات استقرت في أذهان الناس وبالتالي أصبح تنفيذها أمراً يأخذ شكل القانون، مثل عادات الزواج فقد أصبحت عرفا بين الناس يصعب الخروج منه رغم أنها ليست قانونا وليست قواعد مكتوبة. كذلك العقائد العسكرية تتفاوت من عقائد تدريبية إلى قتالية إلي استراتيجية وقد تكون متوارثة ومستمرة أو متغيرة إما لوقوع حدث ما كإنقلاب عسكرى أو ثورة شعبية على نحو ما جرى في ثورة ديسمبر، أو في حال وقوع هزيمة عسكرية كما حدث لبعض الجيوش  المعروفة.
13. هناك عقائد استقرت في القوات المسلحة السودانية، وبالتالي بعد التغيىر الكبير الذي حدث في ثورة ديسمبر 2018م، نرى ضرورة الوقوف عليها ودراستها وتغييرها تماشياً مع فكر الثورة، من ذلك:
أولا: وظيفة قائد عام القوات السودانية التي ورثناها من عهد الاستعمار ومازالت موجودة .
ثانيا : العقيدة الفكرية الإسلاموية التي أدخلها حزب المؤتمر الوطني، والتي وصلت إلى درجة أن يتحدث رئيس أركان سابق للقوات المسلحة السودانية بعد محاولة انقلابية فاشلة معترفا أنه تجند لتنظيم الأخوان المسلمين منذ أن كان ملازماً.
ثالثا :  التعتيم الشديد الذي يمارس داخل القوات المسلحة وعدم الشفافية والمصارحة التي جعلت من القوات المسلحة مؤسسة خارج نظام الدولة نفسها وغير مسيطر عليها.
رابعا : الفكر التجاري الذي اجتاح القوات المسلحة وأصبحت مؤسسة تدير معظم اقتصاديات البلاد على نحو ما ظهر مؤخراً.
الجيش الواحد 
14. إن المناداة بتكوين جيش واحد، غير أنه أحد  شعارات ثورة التغيير العظيمة التي حدثت، فإنه أحد عوامل تثبيت الأمن القومى للدولة. إذ لا يمكن أن تكون هناك في دولة ما عدد من الجيوش بقيادات مختلفة. المقصود هنا وجود قيادة عامة واحدة تسيطر على الجيوش وتكون تحت إمرتها. أما الوضع  الحالى الذى نجد أنفسنا فيه فهو غير مقبول وغير مأمون إذ أن وجود قوى مسلحة مختلفة أو متعددة خارج سيطرة الدولة وبقيادات مختلفة سيجعل الوضع متأرجحا وقابل الانفجار.
15.لذلك نرى في خطة الطريق التي نقترحها لتحديث القوات المسلحة السودانية أسلوباً عملياً في وضع حل لهذه المعضلة الأمنية الشائكة التي خلقها النظام البائد. وهى إحدى الأسس التي يقوم عليها بنيان التحديث .
العوامل الجيوبولتيكية        
16.إن منظومات التنظيم والتسليح والإعداد لأي قوات مسلحة تعتمد اعتماداً كلياً على دراسة التهديدات التى تواجه البلاد، وذلك للوصول للتهديد الأكثر احتمالية في الوقوع مع إعطاء اعتبار كافي للتهديدات الأكثر خطورة. للوصول إلى ذلك لابد من دراسات للدول المجاورة وللدول المؤثرة في الإقليم ثم ما تسعى إليه الدول العظمى في المنطقة. هذا يعنى تنشيط وسائل ما يسمى بالاستخبارات الاستراتيجية التي تعنى (دراسة نقاط القوة والضعف وطرق الحل المفتوحة أمام هذه الدول).
17. استنادا على ذلك ينبغى دراسة أوضاعنا الداخلية كدولة من حيث (الكتلة الجغرافية، القوة الاقتصادية، القوة العسكرية، النظام الدستورى والسياسي القائم، التقدم العلمي، السياسة الخارجية) وذلك للوصول لتحديد أهدافنا السياسية وكيفية تحقيقها كسياسات، ثم وضع الاستراتيجيات المختلفة بما فيها الاستراتيجية العسكرية  للوصول إلى كيفية تحقيق السياسات  الموضوعة وتلك الأهداف المتفق عليها من خلال منظمات التنظيم والتسليح والتدريب والإعداد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق