المفتش العام

أمير بابكر عبدالله

المفتش العام مسرحية كتبها نيكولاي قوقل أحد رواد الأدب الكلاسيكي الروسي، وهو صاحب قصة المعطف الشهيرة حتى سارت المقولة الشهيرة بأن القصة خرجت من جيب معطف قوقل. يقول قوقل عن تلك المسرحية التي كتبها وهو ابن ستة وعشرين عاماً "أردت أن أجمع فيها وفي كومة واحدة، كل ما أعرفه عن روسيا من قباحة وكل ما يمارس فيها من جور وظلم".

الصورة: من وكيبيديا

يصور غوغل النظام الاجتماعي في روسيا القصرية من خلال بلدة صغيرة نائية، وكيف استقبل كبار مسؤوليها موظفاً صغيراً من العاصمة سانت بطرسبورغ اعتقاداً منهم بأنه المفتش العام. ولم يكن "إيفان خليستاكوف" سوى شاب صغير في السن متسكع يحب القمار والخمر، كان في طريق عودته من من العاصمة إلى ملكية والده الزراعية. وبسبب خسارته لكل أمواله في القمار يجد نفسه محاط بالديون وغير قادر على سداد حسابه في الفندق، وبالتالي لا يستطيع مغادرته، وصاحب الفندق يهدده بإبلاغ الحاكم. يصفه غوغل ـ في إطار وصفه لشخصيات المسرحية ـ بأنه شاب محدود الأفق إلى حد ما ومن أولئك الذين يوصفون في الدواوين بأنهم تافهون.

فجأة ينقلب كل شيء، فالبلدة الصغيرة كانت تنتظر قدوم مفتش عام متنكر ومزود بتعليمات سرية، هذا ما ينقله حاكم المدينة لجمع المسؤولين، ذلك السر الذي أطلعه عليه أحد أصدقائه في العاصمة من خلال رسالة. ولأن البلدة الصغيرة كانت غارقة في الفساد والجور والظلم، اضطرب المسؤولون لمجرد فكرة الزيارة "وكمان متنكر!".  وتبدأ حالة من الذعر تسيطر على الكل من الشرطي الصغير وحتى حاكم المدينة، فالبلدة كلها تعتقد الآن أن المفتش العام المتنكر هو ذلك الشاب "إيفان خليستاكوف" لتتبدل أوضاعه قبل أن يرتد إليه طرفه. 

يصور غوغل شخصياته بطريقة ساخرة ويكشف لنا حقيقة الموظفين الحكوميين الذين اجتمعوا خلال جلسة عمل لمناقشة الأمر، فهم مجرد لصوص ومرتشون لا يجارون في ذلك. ويعري غوغل تلك الشخصيات لتبدو بدون مكياج على حقيقتها من التفاهة والنذالة والأنانية والنفاق والكذب.

حاكم البلدة، أكثرهم عقلانية، لكنه أطولهم باعاً في الرشوة بل يعتبرها شيئاً طبيعياً "لزوم تسهيل"، ومع ذلك لا يستنكف اختلاس أموال الدولة، وكل همه أن يصبح برتبة جنرال لكيما يزل الناس من موقع أرفع. لكنه في الوقت الذي يعامل مرؤوسيه بكل صلف وغرور ويذلهم، نجده يقف مرتجفاً أمام المفتش المزعوم "إيفان خليستاكوف"، ويتوسل إليه أن يرحمه ولا يستمع إلى شكاوي الأهالي ضده. كما يصور زوجته المغرورة مثالاً للمرأة المستهترة الفارغة التي لا تهتم سوى بسفاسف الأمور والمظاهر، وهي تحاول أن تبدو صبية أمام المفتش المزعوم وتحاول أن تنال إعجابه.

أما القاضي، الذي ينتخبه النبلاء لا الشعب، يحاول أن يبدو مثقفاً وكل ما قرأه من كتب لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، حتى رشوته تختلف عن البقية فهو يحب الكلاب السلوقية وجراءها بالتحديد. اهتمامه بالكلاب أكثر من اهتمامه بالمحاكم. وهكذا بقية المسؤولين الأقل درجة في السلم الوظيفي لا يقلون تفاهة عن رؤسائهم، لذلك استغل "خليستاكوف" السانحة للخروج من ورطته كأحسن ما يكون، ويعريهم ويكشف سوءاتهم، ويكتب رسالة لصديقه يروي فيها كل الأحداث.

يختتم قوقل مسرحيته بمشهد أخير حين يعلن الحاجب الجميع أن الموظف "الحقيقي" القادم من بطرسبورغ بأمر رسمي من القيصر "يطلب مثولكم أمامه حالاً/ وهو في الفندق الآن". تقع تلك الكلمات على الجميع كالصاعقة، ووسط حالة من الذهول تتسمر المجموعة كلها في مكانها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق