جيوش العالم في أفريقيا -1

أمير بابكر عبدالله

الأفريكوم

بانهيار الاتحاد السوفيتي صارت الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب رقم واحد في العالم في مجال انتشار الجيوش، بأساطيلها وقواتها البحرية وطائراتها المحمولة سواء تلك المنتشرة في المحيطات والبحار أو القوات المرابطة على البرية. وزاد هوس الجيش الأمريكي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليدفع بعناصره في شتى أرجاء المعمورة بحثاُ عن الإرهاب وصوناً للمصالح الأمريكية، فإن تعثر بغل في أحراش أفريقيا أو بين صخور جبال آسيا فهناك قدم إرهابي تسبب في ذلك ويستهدف المصالح الأمريكية.

الصورة: مواقع إلكترونية

جاء الاهتمام الأمريكي بأفريقيا عقب التزايد الملحوظ للتواجد الصيني فيها، وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر أسست الولايات المتحدة قوة المهام المشتركة في القرن الأفريقي التي تم ضمها لاحقاً لقوات الأفريكوم. وقبل مرحلة إنشاء (الأفريكوم)، كشفت صحيفة الواشنطن بوست عن استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا تستهدف بصورة أساسية استكشاف الغابات الكثيفة الموجودة على أطراف الصحراء الكبرى وتمتد عبر العديد من الدول، والتي تكون بمثابة ملاذ آمن للشبكات الإرهابية التي تختفي فيها.

وترجع الخطة الجديدة للاستخبارات الأمريكية إلى العام 2007، حسب مختصين، حيث تشير عدد من الوثائق التي كشفتها الصحيفة إلى عدد من القواعد التي تم إنشاؤها في موريتانيا وبروكينافاسو، بدعوى التجسس على تنظيم القاعدة في المغرب العربي، وقواعد في يوغندا وفي الطريق دولة جنوب السودان لمراقبة تحركات جيش الرب. أما في شرق أفريقيا تتمركز حاملات الطائرات في السواحل الجيبوتية والكينية إلى جانب نقطة تابعة للمخابرات الأمريكية في جزر سيشل، وتضم الحاملات طائرات مراقبة وتجسس إضافة إلى طائرات مقاتلة.

لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بتلك الاستراتيجية الاستخباراتية تجاه أفريقيا، وإنما اتجهت إلى ما هو أكثر فعالية وعملية بإنشاء القيادة العسكرية الأفريقية الأمريكية (USAFRICOM) (الأفريكوم). حسب موقع ويكبيديا فإن القيادة الأفريقية الأمريكية (USAFRICOM) هي قوات موحدة مقاتلة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية وهي مسئولة عن العمليات العسكرية الأمريكية وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية في أفريقيا عدا مصر. وكانت القيادة الأفريقية قد تأسست في 1 أكتوبر 2007، كقيادة مؤقتة تحت القيادة الأمريكية لأوروبا، والتي كانت لمدة أكثر من عقدين مسئولة عن العلاقات العسكرية الأمريكية مع أكثر من 40 دولة أفريقية. وقد بدأت القيادة الأفريقية نشاطها رسميا في 1 أكتوبر 2008، من خلال احتفال في وزارة الدفاع حضره ممثلون عن الدول الأفريقية في واشطن دي سي.

تعتبر الآفريكوم تاسع مركز قيادة موحدة أمريكية وسادس مركز قيادة إقليمية يتم إنشاؤه عقب الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك بحجة أن الدول الضعيفة يمكن أن تشكل خطراً على الولايات المتحدة باعتبارها دولة قوية. وتحت دعاوى تحقيق والمحافظة على السلام والأمن لشعوب أفريقيا ودفع الأهداف المشتركة بين الولايات المتحدة وأفريقيا في مجالات التنمية، الصحة، التعليم، الديمقراطية في أفريقيا. من أجل تحقيق هذه الأهداف عرفت الأفريكوم مسؤولياتها على أنها شراكة عسكرية-عسكرية أنشأت لتطوير القدرة والقابلية العسكرية للجيوش الإفريقية ومساعدة الهيئات الأمريكية الأخرى في القيام بمهامها في إفريقيا وعند الاقتضاء يمكنها القيام بنشاطات عسكرية لحماية المصالح الأمريكية في إفريقيا.

رغم تلك الأهداف المعلنة إلا أن مراقبون وخبراء يرون أن هناك ثلاثة أسباب كانت وراء إنشاء تلك القوة، في مقدمتها الزحف الصيني في العالم ونحو إفريقيا، خاصة بعد تصاعد معدلات النمو الاقتصادي الصيني واختلال الميزان التجاري لصالحها، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا حجم التبادل التجاري بينها والولايات المتحدة.

ويأتي السبب الثاني مرتبطاً بالتمدد الصيني أيضاً، وهو البترول؛ إذ تعتبر الولايات المتحدة إن النفط الأفريقي بمثابة الحل الممكن لمشاكل الطاقة فيها. لذلك دخلت محاولات السيطرة على التدفق النفطي الأفريقي مجال التنافس المريكي الصيني، فالصين تعد من أكبر المستوردين للنفط الأفريقين بل ثلث نفطها يأتي من أفريقيا، وتستثمر فيه رؤس أموال كثيرة من أجل استخراجه.

لكن السبب الأهم هو مكافحة الإرهاب أو الحرب على الإرهاب، لعل ما يؤكد على أهمية هذا السبب هو الحجة التي ساقها مؤسسوا تلك القيادة بان الدول الضعيفة يمكن أن تشكل خطراً على دولتهم.

أثارت محاولات دخول الولايات المتحدة العسكري إلى أفريقيا عبر بوابة الآفروكوم ردود فعل لدى الكثير من دول القارة، فبعضها رفضها جملة وتفصيلاً، واعتبر تلك المحاولات تضر بالمصالح الأفريقية الكلية. فقد كان هناك شبه إجماع بين الدول الإفريقية والمنظمات الإقليمية على رفض الأفريكوم وإنشاء مقرها في القارة. حيث أجمعت مجموعة الساحل والصحراء (سين- صاد) على "رفض قيام أي قيادة عسكرية أو أي حضور عسكري أجنبي من أي نوع في أي جزء من القارة مهما كانت الأسباب أو التبريرات"، في حين قالت الأربع عشرة دولة العضو في المجموعة الاقتصادية لدول جنوب إفريقيا أنه "من الأفضل لو تعاملت الولايات المتحدة مع إفريقيا عن بعد بدل الحضور المباشر في القارة".كما عبرت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "الأيكواس" أيضا عن رفضها الشديد لإنشاء قيادة الأفريكوم. إزاء هذا الرفض أبقى البنتاقون مقر قيادة الآفروكوم في شتودغارد بألمانيا. 

رغم ذلك نجحت القيادة الأفريقية الأمريكية في التغلغل داخل النسيج العسكري لبعض البلدان الأفريقية وذلك لعملية الشراكة العسكرية – العسكرية التي استطاعت إقامتها مع حوالي 15 دولة أفريقية، ويمكن أن يزيد هذا العدد في مقبل الأيام وقفاً على لتزايد النفوذ الأمريكي في المنطقة. تشير صحف بلدان المغرب العربي إلى محاولات الآفريكوم التغلغل في المنطقة، باعتبارها منطقة استراتيجية، في الوقت الذي تمكنت فيه تلك القيادة من مد علاقاتها المشتركة مع موريتانيا. وتحدث المعلومات عن الدور الكبير الذي لعبته الآفريكوم في ليبيا أثناء الثورة الليبية، وتحويلها لمهام حلف الناتو إلى العمل على تغيير نظام العقيد القذافي، رغم محاولات الاتحاد الأفريقي إيجاد تسوية سياسية آنذاك مما أثار حفيظة الأخير واعتبرها خطوة في اتجاه سحب البساط من المنظمات الإٌقليمية الأفريقية وإحلال قوات الآفريكوم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق