البروتوكولات.. بين حكماء صهيون وحمقى الإنقاذ (3)

أمير بابكر عبدالله
من أهم بروتوكولات حكماء صهيون " البروتوكول الخامس: تفريغ السياسة من مضمونها" والبروتوكول العاشر: وضع الدساتير المهلهلة و" البروتوكول الثالث عشر: تغييب وعي الجماهير" وهي مرتبطة مباشرة باجتهادات حمقى الانقاذ ومحاولاتهم طمس معالم الحياة السياسية منذ الانقلاب. ولا يخفى على أحد أن هذا هدف مباشر ظلت تعمل له الحركة الإسلامية قبل وبعد استيلائها على السلطة، واستخدمت في ذلك ما هو شرعي بتفسيرها نصوص الدستور وفق هواها وما هو غير شرعي بتجاوزاتها الواضحة للقانون بالتعامل مع الدولة وممتلكاتها كملكية خاصة. والآن بدعوة تعديل الدستور بما "يسمح" للبشير للترشح للرئاسة للمرة (؟).

نجحت الحركة الإسلامية –راعية النظام السياسي القائم- بامتياز في ذلك بنجاح انقلابها على السلطة الدستورية. ورغم أنه لا يقارن بنجاحات حكماء صهيون الذي يسيطرون الآن على كثير من مراكز صنع القرار في العالم المؤثر، إلا أنه نجاح على أية حال لا زالت الحركة تحصد ثماره. وها هي تضع، وبعد ثلاثة عقود من انقلابها، الأحزاب السياسية وكل المهتمين بالتغيير بين مطرقة المشاركة في الانتخابات وسندان مقاطعتها، وهيأت للطرفين الملعب كأحسن ما يكون لعراك بلا جدوى. ومن وجهة نظري كلا الخيارين يقودان إلى نفس النتيجة لأن أصحاب خيار المشاركة في الانتخابات ليسو جاهزين لإدارتها باعتبارها وسيلة مقاومة لها أدواتها طالما ربطت مشاركتها بـ"شروط مهيئة لها على النظام تنفيذها"، وأصحاب فكرة المقاطعة باعتبار أن عكسها يعني منح النظام السياسي القائم الشرعية، أيضاً ليسو جاهزين، بل أسوأ من ذلك فإنهم يحاولون تحسين صورة النظام القائم وتقويم أداء أجهزته، وخاضعون لقواعد اللعبة التي رسمها.
في الحالتين النظام السياسي مكتسب شرعيته بوضع اليد، وإذا كان أصحاب فكرة المقاطعة يحاولون استخدام ذات منهج النظام "تغييب وعي الجماهير" فإن الشواهد تقول بغير ذلك. بالعودة إلى الدستور الذي أقرته اتفاقية 2005، فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية إحدى نتائج حصاده، وهو دستور وافقت على العمل به كل الأحزاب، بل وتطالب بإدامته بدلا من حالته المؤقتة، باعتباره "أحسن" دستور مر على البلاد منذ الاستقلال ويشتمل على وثيقة حقوق واضحة. إذاً أمام الجميع في الداخل والخارج فإن دعوة النظام لإقامة انتخابات في 2020 مسألة دستورية، رغم أنها دعوة حق إريد بها باطل. 
في انتخابات 2010 التي جاءت في ظل هذا الدستور، شاركت كل الأحزاب في كل مراحلها وانسحب بعضها في المراحل النهائية لها بحجج يتفق معها البعض ويختلف آخرون. وفي 2015 لم تقاطعها الأحزاب المعارضة ولم تشارك فيها، بل كانت زاهدة فيها إذ لم يثر أحد وقتها أي خيار، بل التزم الجميع الصمت في اتفاق العاجزين عن الفعل. وها هي انتخابات 2020 تثير كل تلك الضجة، مع العلم أن المناخ العام في كل الأحوال لم يتغير. وحتى لا يظن أحداً ان المناخ كان مختلفاً في انتخابات 2010، فإن الواقع يكذب ذلك، لم يتغير شيء إلا بضغط الأحزاب والجماهير التي بدأت تتحرك أثناء فترة الاعداد للانتخابات والتي حاول النظام عرقلة مسارها بشتى السبل، لكن ما قبلها وما بعدها هو ذات المناخ. انعقدت تلك الانتخابات وقد أجيز قانون الانتخابات الحالي، وأجيز قانون الأمن الوطني، وأجيزت كل القوانين بموادها المقيدة للحريات، والحرب لم تضع أوزارها بالكامل، وغير مسموح، في غير فترة الحملة الانتخابية، العمل الجماهيري إلا داخل دور الأحزاب، وأحياناً حتى داخل درو الأحزاب ممنوع ويمكن أن تحاصرك الشرطة وتعطر الحاضرين برائحة البمبان، وجهاز الأمن يعتقل من يعتقل والشرطة تفض المسيرات السلمية بالقوة والجهات المختصة لا تسمح للأحزاب ولا تستجيب لطلباتها بتسيير تظاهرات سلمية حسب الدستور والقانون، رغم ذلك كانت فترة الانتخابات من أكثر الفترات نشاطاً وحيوية وأملاً وزخماً استبشرت بها الجماهير وتفاعلت معها، وبالعودة إلى الإحصاءات والنتائج سنجد حجم المأزق الذي وجد فيه النظام نفسه.
الأحزاب التي تقول بالمقاطعة، هي ذاتها التي تسعى ليل نهار لكي "يسمح" لها النظام، الذي تريد إسقاطه، ليهيء لها المناخ حتى تنتقل من خانة المقاطعة إلى المشاركة. وهي التي تقدم للجهات المعنية طلبها ليأذن لها النظام بممارسة حقها في تسيير مظاهرة، وتطالبه بأن لا يستخدم القوة ضدها أثناء ممارسة حقوقها وتطالبه الالتزام بالدستور ووثيقة الحقوق. تطالبه أن لا يعتقل أعضاءها ولا يغتالهم، تطالبه بالقصاص من نفسه في جريمة اغتيال الطلاب القصر في سبتمبر 2013 وكل الجرائم التي ارتكبها، تحتج يوم أن يصادر عدد من الصحف وتصمت بقية أيام السنة طالما لا يصادر عدد منها، تحتكم إلى مسجل الأحزاب الذي يعينه النظام في خلافاتها. بكل بساطة هي تعتبر أن النظام القائم نظام شرعي مفروض أن يستجيب لمطالبها الشرعية طالما التزم بالدستور. 
تمارس هذه الأحزاب حقها في معركة الانتخابات للقطاعات المهنية والفئوية، مثلما تفعل في انتخابات المحامين، في انتخابات الاتحادات الطلابية، كل ذلك تحت مظلة القوانين السارية المفعول، لكنها أعلنت مقاطعتها للانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2020، وتشترط أن يهيئ (النظام) المناخ لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
إسقاط النظام يتم بطرق معروفة وهي ثورة مسلحة أو انقلاب عسكري، وهو ما لا تقره الأحزاب المعارضة المؤيدة للمشاركة أو المقاطعة لها باستثناء الحركات المسلحة التي لا زالت ترفع –عملياً- السلاح في وجه النظام. العمل المسلح هو الميدان الذي يجيد فيه النظام السياسي القائم عمله ويجد فيه نفسه، بل هو من يدفع إلى هذا الميدان الآخرين دفعاً، فما أسهل أن تدمر وتقتل، وتمثل عبارة "نحن جبناها بالسلاح ، الراجل يجي يشيلا بالسلاح" روح المنهج الذي يتبناه نظام الحركة الإسلامية السياسي الذي أسسته. وهناك من ينتظرون تدخلاً عسكرياً دولياً!!
أو التفاوض السلمي / الحوار الذي يفضي إلى نظام سياسي مغاير، وهو ما ترفضه الأحزاب قبل أن تسبقه خطوات إجرائية شبيهة بمطلوبات تهيئة المناخ للانتخابات. وميدان التفاوض السلمي جربته الأحزاب من قبل وأفضى إلى وضع انتقالي. وهو ميدان يخشاه النظام القائم لأنه مطالب فيه بتقديم تنازلات كبيرة تقود في النهاية إلى تفكيكه والتحول إلى نظام ديمقراطي ما يعني عملياً (إسقاطه). لذلك فهو يراوغ كثيراً ولا يريد أن يلدغ من جحر نيفاشا مرة أخرى بعد أن برئ منها بفصله للجنوب، ولكن لا مانع لديه من "نيفاشا تقليد" تفسر الماء بعد جهد بالماء، ويبقى النظام قائماً.
أو الانتفاضة الشعبية –لا مسلحة ولا محمية بالسلاح- كما جربها الشعب السوداني مرتين وأسقط بها نظامي حكم عسكري. 
الوضع أقرب إلى أمنيات المعارضة بأن يقول النظام "الرووووب" ويأتي طائعاً ليسلمها السلطة أو باقتراحه –من نفسه- إقامة فترة انتقالية للتسليم والتسلم. أو أن يتهاوى بفعل الزمن، وينتظرون أن تعلن دابة الأرض عن موته، وفي حقيقة الأمر أن دابة الأرض انتهت من نخر عصاته منذ وقت طويل وامتدت أثار النخر كما انتشار الأورام الخبيثة في جسد النظام السياسي.
ويبقى الخيار الأخير، المختلف عليه بين قوى المعارضة، هو خيار المشاركة في الانتخابات كآلية للتحول الذي تتبناه بعض من المعارضة. 
دعاة منازلة النظام عبر صندوق الانتخابات والمشاركة فيها وخوضها في كل الظروف يتمسكون بحق دستوري أشرنا إليه، ولكنها تظل دعوة واهية لا تقوم على أرجل إذا لم يعدوا لها ما استطاعوا من قوة. فهم يشتركون مع دعاة المقاطعة في كل ما ورد في حقهم طالما يعملون على ذلك في جزر منعزلة، وسيظلون يحرثون في البحر طالما ظلت قواهم مبعثرة لا يجرأون في اتخاذ خطوات جادة نحو توحيد قواهم بالرغم من وحدة رؤاهم. فهم أسوأ من دعاة المقاطعة، الأخيرين على الأقل متفقين حول رؤية رغم ضعفها لكنهم موحدين حولها. 
وقد أشرت في مقالات سابقة إلى ضرورة وحدة القوى الديمقراطية كخطوة ضرورية لا بد منها لأي خطوات قادمة سواء كانت خوض الانتخابات أو ما بعد الانتخابات، وسواء أن سقط النظام من تلقاء نفسه أو بواسطة أي من الآليات.
دعاة المشاركة يحققون واحدة من أهداف الحزب الحاكم من دعوته للانتخابات وهي استمرار النظام السياسي القائم، إذا ما دخلوا ميدان هذه "المعركة" بوضعهم الحالي ولن يحدثوا فيه الهزة المطلوبة. فالمسألة ليست مجرد مشاركة شكلية وليست الفوز أو الخسارة هي القضية في معركة تغيب عنها أبسط مقومات العدالة في الفرص في ظل تمكن الحزب الحاكم من مفاصل ومقومات الدولة، وإنما الأمر يتجاوز ذلك إلى ضرورة إحداث أكبر ضغط ممكن لإرغام الحزب الحاكم على التردد وحتى التراجع أو تأجيلها، لأن هذه ليست معركته إذا ما دخلتها المعارضة بكامل قوتها، ولا هو الميدان الذي يمكن أن ينتصروا فيه ويحكموا إلى الأبد، لأن الحكم فيه هو "الجماهير".
الجماهير التي يستهين بها البعض وينكر أهميتها أو وجودها، هي التي ستحدد مآلات المستقبل، فإن ظلت المعارضة في حالتها الراهنة ستظل "تلك الجماهير" تدعم النظام السياسي القائم، وليست شرطاً أن تدعمه إيجاباً أو تؤيده، بل بالموقف السلبي من المعارضة التي لا تقدم لها ما يطمئنها على اتخاذ موقف إيجابي تجاهها. 
إذاً على دعاة المشاركة أن يعيدوا ترتيب أوراقهم ويؤدوا ما عليهم من واجبات تجاه دعتهم تلك قبل الحديث عن خوضها، وفي مقدمة تلك الأوراق الواجب إعادة ترتيبها هو اتفاق مكونات دعاة المشاركة حول رؤية مشتركة وبرنامج مشترك وخطوات عملية موحدة لتقديم نموذج لقاعدتها أولاً وللجماهير ثانياً، وهو ما سيضغط على دعاة المقاطعة لاتخاذ مواقف مغايرة، على الأقل ترك الخيار لقواعدهم، قبل أن تضغط الحزب الحاكم. وإلا لن يكون هناك فرق بينهم وبين دعاة المقاطعة وتظل دعوتهم "مجرد طق حنك" وممارسة شكلية ومجرد اتخاذ موقف دون رؤية ودون قدرات، وهم أيضاً ينتظرون أن ينفذ لهم النظام "شروط" خوضها. إن النجاح الحقيقي للمعارضة هو هزيمة النظام القائم وفقاً لشروطه وليس وفقاً لشروطها، لأن خوض المعركة الانتخابية وفقاً لشروط المعارضة يعني أن النظام السياسي القائم على الحزب الواحد لم يعد له ووجود، وأن "الجهاد الأصغر" انتهى.
خلاصة الأمر أن النظام السياسي القائم وحراسه نجحوا حتى الآن في استلهام بروتوكولات حكماء صهيون، واستطاعوا أن يشغلوا المعارضة في نفسها ويلهوها ويغيبوا وعيها، وهم يدركون أن الجماهير ستظل واعية ومنحازة للأقوى، وهم ليسو الأقوى ولكنهم ناجحون في أن أن تظل المعارضة هي الأضعف. فعلى المعارضة دعاة مقاطعة أو مشاركة إعادة قراءة مواقفهم وترتيب أوراقهم بما يصب في النهاية لمصلحة إزالة نظام الحزب الواحد ووضع أسس دولة قائمة أسسها على نظام ديمقراطي يسع الجيمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق