د. نافع ونداء السودان

أمير بابكر عبدالله

بعد أن كانت تتصدر تصريحاته وصوره صدر الصحف ومانشيتاتها ونشرات الفضائيات السودانية، وكما طبيعة الأشياء و(فعائل) الأيام ومنذ إحالته من أرقى درجات المواقع التنفيذية والشخصيات المتنفذة، تأتي تصريحات الدكتور نافع علي نافع في ركن قصي وعلى استحياء. إنها سنة الحياة أن يصعد نجم شخص ما ويأفل ومشيئة الله أن يدبر أمر الكون ويسيره، لكن يأبى الدكتور نافع الرضوخ لسنة الله وتدبيره، فما أن أزيح من الواجهة السياسية وبوعد بينه وصولجانها حتى عاد من بوابة أوسع –اخترعها وصرف عليها- أطلق عليها اسم "مجلس الأحزاب الأفريقية"، لكنه اكتشف أنها بوابة "من غير حوش" يتحكم في من بداخله ل(يتاوره الضرس) في انتياش المعارضة بلسانه الحاد.
ولأن خبر الدكتور يأتي في درجة أقل أهمية فقد سبقته خمسة أخبار في سلم تحرير الصفحة الأولى ل(الراي العام) الثلاثاء الماضي، وللمفارقة التي هي من أركان الكوميديا والنكتة فقد تقدم على الخبر السابع والأخير المتعلق ب(سوق المواسير) وصرف تعويضات المتضررين بسببه. وكان يمكن لمحرر الصفحة أن يكتفي بخبر المؤتمر الوطني أو يدمج خبر الدكتور نافع معه باعتبار صفته كأحد (قياديي) المؤتمر الوطني، ليكفي القراء شر تصريحاته التي سنتناولها، ويرفع من قيمة ما قاله نافع بدلاً من نشره منفصلاً.
يبدو أن الدكتور نافع لا يستطيع العيش بدون المعارضة و(شيطنتها)، ونسي أن من ضمن تكويناتها، الأكبر منها، مجموعة من الأحزاب السياسية ويمكنها أن تنضوي تحت مظلة مجلس الأحزاب السياسية الأفريقية، وتساهم في تحقيق أهداف ذلك المجلس بتعزيز الوحدة والتفاهم بين دول وشعوب القارة الأفريقية. لكن د. نافع الذي أشك في أنه يؤمن بالهدف الرئيسي للمجلس الذي كونه وصاغ نظامه الأساسي وأهدافه، والذي ينص على "تشجيع ونشر ثقافة السلام ، الاندماج السياسي والاجتماعي ، قبول الآخر ، الاعتماد علي الذات وتسوية المنازعات بالوسائل السليمة " و"الترويج للديمقراطية والحكم الرشيد".
يصف الدكتور نافع، في تصريحه الذي نقلته (الراي العام)، اتفاقية "نداء السودان" بأنها الأسوأ من بين الاتفاقيات التي وقعتها المعارضة السودانية من قبل، وهذا رأي تتفق معه أو تختلف فلا غبار عليه. لكن نفس نافع الأمارة بالحرب تتحدى، دائماً، المعارضة وتقول "إذا دايرين يسقطوا النظام بغير الانتخابات، خلي القيادات الوقعت دي تمشي الجبهة وتلاقينا هناك". ونصف هذا القول يماثل "نحن شلناها بالبندقية والدايرة يجي يشيلا بالبندقية".
في هذا القول ودعوته لتلك القيادات بملاقاته في الجبهة (تطالعو الخلا) تشجيع ونشر لثقافة الحرب التي تتناقض مع أهداف مجلسه للأحزاب السياسية الأفريقية، وهو مطالب بشرح وتوضيح موقفه أمام هذا المجلس لأنه يروج لأهداف لا تصب في المصلحة الكلية التي تدعو إلى تشجيع ونشر ثقافة السلام في القارة.
وهذا القول ينسف الفكرة من صياغة اهداف مثل الاندماج السياسي والاجتماعي، لأن تشجيع ونشر ثقافة الحرب، وبالتالي اندلاعها، يعني خلل في المشهد السياسي المستقر وبالضرورة تمزق النسيج الاجتماعي وهو حققه د. نافع، وحزبه، ونجح فيه طوال تسيده للمشهد السياسي منذ إنقلاب 89. إذا كانت الجهات المناط بها الذهاب للميدان والجبهة، وهي القوات المسلحة، تقوم باداء دورها وغايتها النهائية تحقيق السلام والاستقرار ولا ترى مانعاً في بلوغها بطرق غير الحرب، فما بال الدكتور مهووس بالحرب ومن الممكن تفكيك نظام الحزب الواحد لصالح دولة التعددية والديمقراطية بدونها، إذا ما هدأت النفوس ونظرت إلى المستقبل.
لن اتناول (قبول الآخر) كواحد من أهداف مجلس نافع للأحزاب السياسية الأفريقية، فعنوان نافع يكفيك جوابه، ولكن الا يتناقض أيضاً تشجيع ونشر ثقافة الحرب التي يتبناها الدكتور مع نص النظام الأساسي لمجلسه "بالاعتماد على الذات وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية"؟ كل المحاولات الجارية الآن تصب في خانة ترجيح تسوية المنازعات سليماً لتكفي السودانيين شر الاقتتال، لكن الدكتور نافع يقول "يا انتخابات على مزاجنا وطريقتنا ويا حرابة".
إن من يفكر بهذه العقلية لا يمكنه الترويج للديمقراطية والحكم الرشيد كما تنص أهداف مجلس الأحزاب السياسية الأفريقية، وبالتالي ومن هنا أطالب هذا المجلس –إذا كان يمتلك القدرة وأشك- بتشكيل لجنة تحقيق للدكتور نافع علي نافع لمناقشته في تصريحاته التي تتناقض مع أهداف المجلس وغاياته، واستتابته أو عزله وحزبه الذي يمثله من موقعه، ونقل مقر ذلك المجلس من الخرطوم إلى أي عاصمة أخرى يكون حزبها الحاكم على قدر المسؤلية والالتزام بما يتم الاتفاق عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق