أمير بابكر عبدالله
استطاع الأستاذ قتح الرحمن شبارقة، وهو المحاور المتخصص في هذا الضرب من الفن الصحفي، استطاع إعادة القيادي في المؤتمر الشعبي الأستاذ كمال عمر إلى قواعده سالماً لا ينقص ولا (شعرة) في حواره الذي أجراه معه قبل عدة أيام في (الراي العام). ونجح تماماً في إزالة (غبار) الديمقراطية والقبول بلآخر الذي حاول المؤتمر الوطني (جناح) الشعبي أن يغطي به نفسه في سعيه لإيجاد ثغرة ينفذ بها إلى جسم المعارضة المنادية بالديمقراطية وفي ذات الوقت ينال من خصمه اللدود (المؤتمر الوطني). ولأن الطبع دائماً ما يغلب التطبع فعادة ما تظهر الأيام الجانب الحقيقي والمتأصل في الأفكار والسلوك، خاصة عند المحكات والاختبارات، ويكشف المتطبع عن طبعه.
أن يعترض المؤتمر الوطني على ما وقعته المعارضة السودانية، أو لنقل الجزء الأكبر منها، في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وأطلقت عليه "نداء السودان"، وأن تجيش مناصريها ضده ل"تركله" كما قال أحد أبرز قياديه، وأن تعتقل من تعتقل في هذا الخصوص فهو شيء مفهوم ويتسق مع منهج المؤتمر الوطني ، وهو في رد فعله هذا لم يغادر طبعه. لكن بقدر الدهشة التي يمكن أن تصيب البعض بما ادلى به الأستاذ كمال عمر من آراء في ذلك الحوار، كنت متصالحاً مع نفسي لقناعتها بأن د. الترابي، وبالتالي حزبه ومن ضمنه كمال عمر أياً كان موقعه، لن يغادر محطة الشمولية وتسفيه الآخر، وأن الديمقراطية بالنسبة له مجرد (علكة) يمضقها وقتما اقتضى الأمر ويرميها في أقرب زقاق متى وجد فرصته مواتية.
بتلك الإفادات والآاراء التي طرحها الأستاذ كمال عمر في الحوار المعني، لن يثير غضب المعارضة لأنه خرج عليها بعد أن تحالف معها نكاية في نصفه الحلو، وإنما يفتر ثغر قيادة المؤتمر الوطني سخرية من مواقفه وكأني بهم يقولون له في سرهم "ما قلتو نوبة!!". بكل بساطة لأن ما قاله كمال عمر نيابة عن حزبه لم يقله المؤتمر الوطني في الخمر، وإن قاله فلا تثريب عليه.
أن يختار المؤتمر الشعبي وكمال عمر موقعه داخل الخريطة السياسية ونصرته لمنصة الحوار هذا شأن يعنيه، وله أن يدافع عن موقفه وان يحشد كل الدعم لإنجاح الحوار، مع أن الداعين له نفضوا، أو يكادون، يدهم عنه. ولكن أن يحاول لعب دور الوصي على المعارضة في اختيار مواقفها فهذا شان لا يعنيه، وليس هذا بالشيء المهم مثلما ان تلك الآراء الفطيرة التي طرحها في ذلك الحوار على شاكلة " ولعلّ الانتقال السريع من إعلان باريس إلى نداء السودان، ومن موقف لآخر يكشف عن الحالة النفسية التي تعيشها المعارضة، فما تمّ هو عبارة عن زواج متعة لن يستمرّ طويلاً." أو تلك التي يرى فيها أن اعتراضه الأساسي على (نداء السودان) "في قضايا الحوار والحل السياسي فنحن لم نشعر أصلاً أن هنالك أملا أو رجاءً في هذه القوى المُوقعة عليه أن تنضمّ لمسيرة الحوار".
لكن الأهم من كل ذلك ويكشف عن تلك العقلية المراوغة ومنهج إستغلال الدين والعاطفة، وهو طبع الحركة الإسلامية السودان عموماً وكمال عمر وحزبه هم الأصل فيها رغم عاديات الزمن، الأهم هو (لزق)، رغم محاولات الأخ شبارقة، مسألة فصل الدين عن الدولة في ال"نداء"، في محاولة ابتزاز عاطفي رخيص لا علاقة له بالمواقف الفكرية واحترام رؤى الآخرين في دولة نأمل أن تسع الجميع، فهو يقول " هذا النداء قنَّن فكرة الإصطفاف الأيدلوجي وأصبحت هناك مجموعة أقرب لليسار وتتكلم بشكل واضح عن فصل الدِّين عن الدولة". وعندما يضعه المحاور في (خانة اليك) يجيب " صحيح أنه لم يُكتب في الوثيقة والمقصود بعدم كتابته هو أن يتجاوزوا الهجمة لو كانت هنالك هجمة إعلامية عليهم بأنه لم يُنص تحديداً على مسألة فصل الدين عن الدولة"، ولن نقول له عبارة الرئيس الأسبق جعفر نميري هنا، بل إن الطبع فعلاً ودائماً ما يغلب التطبع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق