أمير حلفا والحجاج

أمير بابكر عبدالله

نزعة حجاجية تملكت معتمد محلية حلفا ورئيس (المؤتمر الوطني) بالمحلية، وذلك على نهج التراتبية في نظام الإسلام السياسي، فكل من هو على قمة جهاز تنفيذي يعتبر أميراً على الجماعة. وشيخنا معتمد حلفا راودته تلك النزعة ليخلع ثوب المعتمد ويرتدي عباءة أمير حلفا وتتلبسه تلك الحالة الحجاجية. ولا أدري إن كان يحفظ من الشعر بيتاً ولكنه كاد يقول لجماعته التي أمَّرته هناك مردداً مع الحجاج بن يوسف الثقفي على لسان الشاعر سحيم بن وثيل الرياحي:
أنا إبن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني

ولما بلغ أمير حلفا حالة الذروة إذا به يتمثل الحجاج في كامل قوته وهو يخطب في أهل العراق عندما جاءهم أميراً عليها أول مرة. ويرفع من نبرة صوته صائحاً في رهطه "أما والله فإني لأحمل الشر بثقله و أحذوه بنعله و أجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى." وإذا كان جمع أهل العراق حينها ليس كلهم من رهط الحجاج ولا ينتسبون إلى بني أمية دماً ولا موالاة، فإن رهط أمير حلفا هم من يوالونه ويولونه إمارتهم وإن اشترك الجمعان (في العراق وحلفا) في مشهد العمائم واللحي. ورغم إنهم من رهطه إلا أنهم – كما جاء في الأخبار – يتوعد المخالفين منهم لسياسات حزبه بقطع الرؤوس حال اعترضوا عليها.
سيحاول البعض أن يواري سوءة ذلك الأمير، وهي سوءة تكشف بل وتضيف إلى المكشوف أصلاً وتعزز الثقة في الرأي القائل بسيادة الرأي الواحد داخل حزب السلطة (المؤتمر الوطني)، وأن الخارجين عنه كل يوم لم يعد في إمكانهم الاحتمال أكثر. فإذا كان هذا جو الحوار السائد داخل أروقة الحزب، وتلك هي الطريقة (قطع الرؤوس) التي يدار بها إختلاف وجهات النظر داخل منظومة الحزب الواحد، فما بالنا نرجو ونأمل في حوار يبتدره بدعوى الخروج من المأزق الوطني، يجمع فيه شتات لوجهات نظر من أقصي اليمين الوطني إلى أقصى اليسار الوطني، وهو الذي لا يحتمل يمينه يساره داخل الحوش.
إن الحديث عن الحريات والحوار ومساحات اختلاف للرأي في ظل الوضع الحالي لهو شيء من قبيل التجميل للوجه القبيح للقهر وكبت الحريات والتضييق على الآخر، وهو الأصل أو القاعدة بينما ذاك هو الاستثناء. وما يثبت ذلك هو الدعوة للحوار التي اطلقها حزب السلطة (المرتمر الوطني) وادعاء الاستجابة لمطالب الحريات التي اشترطتها المعارضة، وفتح (مسمار التنفيس) قليلاً للصحف، كل ذلك يثبت الإستثاء لا الأصالة، ويثبت تكتيك الإنحناء للعاصفة لا التفاعل والتعامل معها وتفاديها مؤقتاً لتداعياتها حتى تنجلي بدلاً من الإحاطة بأسبابها.
إن حزباً يهدد بقطع رؤوس المنتسبين إليه لاختلافهم مع سياساته ومعارضتها وغير قادر على استيعاب الاختلاف في الرؤى داخله، ليس مؤهلاً لابتدار حوار مع الآخرين –هلى اختلاف وجهات نظرهم - لحل قضايا الوطن. وهو بموقفه من منسوبيه، ناهيك عن الآخرين، يكسب موقف قوى الاجماع الوطني الرافضة للحوار، إلا بعد تهيئة المناخ وإلغاء القوانين الاستثنائية التي تقيد الحريات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين يكسبه قوة على قوة، ويكشف بجلاء صحة ذلك الموقف. وها نحن نشهد تراجعاً كبيراً وسط الأحزاب التي وافقت على الحوار وحضرت يحدوها الأمل في استجابة صادقة لتطلعات الجماهير في الخروج بالوطن من وهدته والوصول به إلى بر الأمان، وأعلن بعضها موقفه بعدم جدوى الحوار بعد أن اكتشف خلال أيام فقط إنه مجرد محاولة للتجميل، أو إن القوى الرافضة له، ويمثلها نموذج أمير حلفا بوضوح، هي التيار الأقوى داخل حزب السلطة (المؤتمر الوطني).
المحاولات والتبريرات التي ترد على لسان قيادات بالمؤتمر الوطني بالتراجع عن مساحات الحريات إنما تكشف عن الوجه الحقيقي لرؤية حزبهم لمسألة الحوار وما يرغبون فيه من مخرجات، وتكشف أكثر خلط الأوراق بين شؤون الدولة والحزب. فما يخرج من تصريحات لتلك القيادات باسم المؤتمر الوطني كحزب حول قانوينة اعتقال قيادات معارضة مثل السيد الصادق المهدي والاستاذ إبراهيم الشيخ، وأنها ليست ذات أبعاد سياسية يقدح في مصداقيتها لأنها صادرة من منصة حزبية وذلك شأن أجهزة دولة. وهذا الخلط يقع دائماً عندما لا توجد حدود بين حزب السلطة واجهزة الدولة التنفيذية ويختلط حابلها بنابلها، لذلك غاية المعارضة من الحوار هو فصل الحزب عن أجهزة الدولة، وتفكيك النظام السياسي للحزب الواحد لصالح التعددية والديمقراطية. هذا ما تدركه قيادات المؤتمر الوطني جيداً ولن تفرط في مقاعدها التي وفرت لها من المصالح ما لم تكن تحلم به، لذلك يصل الأمر إلى حد التهديد بقطع الرؤوس. وآن لأستاذنا فاروق أبو عيسى أن يمد رجليه بعد كثير من مجريات الأحداث وآخرها تهديدات أمير حلفا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق