جامعات أم دفسو

أمير بابكر عبدالله
راودتني رغبة عارمة في الكتابة عن الزيارة التي يقوم بها رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت من موقع العشم في عودة العلاقات الجنوبية الشمالية إلى الجريان في مجاريها الطبيعية، خاصة بعد أن جرفت السيول والأمطار كثيراً من عراقيل كانت تحت الجسر. وهي عودة تعني الكثير بالنسبة لشطري السودان على عدة مستويات. المستوى الأول ان هذا هو الشيء الطبيعي، والثاني أن كثيراً من القضايا الداخلية لكل طرف معلقة بحلحلة القضايا العالقة بين الدولتين وعلى رأسها الاقتصاد، والثالث هو بداية النهاية للحروب الداخلية (إذا صدقت النوايا ولم تنتكس العلاقة بينهما كما عودتنا الحكومتين كلما تلوح بارقة أمل)، أما الرابع فهو (إن تحقق ما نتمناه) فلن يجد أمراء الحروب ما يقتاتون من ورائه.  بالنسبة لي على الصعيد الشخصي فالأمنية تتجاوز عودة العلاقات طبيعية بين الدولتين إلى ما هو اكثر من ذلك.
لكن ماذا نفعل مع ناس (سوق ام دفسو)، وسوق أم دفسو الأصلي منهم براء. واضح أن عقلية السوق على نهج ام دفسو أمر شائع في كل الشؤون السودانية، فأنت تجد له مقابل في كل المؤسسات والهيئات حكومية ام غير حكومية. وإليكم آخر صرعات (سوق أم دفسو) على مستوى الدولة، فها هي وزراة من الوزرات التي تقوم عليها ركائز العلم والمعرفة ويستند عليها مستقبل السودان في نهضته لأنها المعنية بمسألة في غاية الأهمية والعماد الأساسي للتنمية والاقتصاد ألا وهي التنمية البشرية، إنها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
لم أصدق أول مرة، وعيناي تجريان بين السطور، وأنا أقرأ تحذير وزراة التعليم العالي والبحث العلمي، في خبر وارد في جردية الصحافة الغراء، للطلاب الذين لم يحالفهم الحظ ولم يتم قبولهم في التقديم الأول والثاني للجامعات والمعاهد العليا. الوزارة المعنية تحذرهم من اللجوء للمؤسسات التعليمية التي لم يرد إسمها وبرامجها الدراسية في دليل القبول لهذا العام. لم يكتف الخبر بذلك، بل أكد أن الوزراة سبق وان حذرت الطلاب وأولياء الأمور من الوقوع في براثن تلك المؤسسات.
هل يحتاج الأمر إلى شرح؟ ذكرني ذلك بدعوة (هيئة علماء السودان) لضبط مهنة المساج، حين دعت إلى إغلاق الأماكن غير المصرح لها وقيام حملات تفتيش بالأماكن المصرح بها. ولأن في السودان كل شيء ممكن فإن مؤسسات للتعليم العالي ممكن أن (تقوم بروس) او (جامعات أم دفسو)، دون تصديق من الوزراة المعنية أو الجهات ذات الصلة.
الغريب في الخبر أن مدير ادارة الاعلام بالوزارة اسامة العوض لـ(الصحافة ) قال إن الوزارة قامت بمخاطبة المؤسسات التي لم تعمل بالاجراءات والشروط المطلوبة من قبل الوزارة، مبيناً ان عدد تلك المؤسسات بلغ 14 مؤسسة تعليمية. السؤال هنا كيف أسست تلك المؤسسات التعليمية أصلاً وكيف حصلت على تصريح بالعمل لاستيعاب طلاب ومن ثم يتخرجوا من تلك المؤسسات ليفاجأ الخريجون بأن شهادات تلك المؤسسات غير معتمدة لدى الوزراة، وبالتالي يكون الطالب ضيع كذا سنة من عمره (في الفاضي ساكت). في الأمر رائحة غريبة بالنسبة لي، طالما هي مؤسسات معروفة لدى الوزراة ما هي الإجراءات العملية التي يمكن أن تتخذها الورزاة لمنعها من ممارسة التعليم العالي. وهل يحق لها إغلاقها طالما لم تحصل على التصريح ولم تكمل إجراءاتها؟
كان على الأقل من الأجدى، ومن أجل مزيد من الضغط على تلك المؤسسات ال14، أن تعلن عن أسماء تلك المؤسسات التعليمية في الصحف اليومية، ومن ثم تحذر الطلاب وأولياء امورهم بأن شهاداتها غير معتمدة، وتفوت عليها فرصة قبول طلاب هذه السنة، وهو أصلاً غرضها الكسب المالي مما يعني خسارتها. بكل تأكيد في السنة القادمة ستستوفي تلك المؤسسسات الشروط اللازمة وتكمل الإجراءات المطلوبة ويتم اعتمادها في دليل القبول. وأهو إعلان بكم مليون يعود بالفائدة على الكثيرين ممن يمكن ان يقعوا في براثنها.
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق