الديمقراطية في مصر وقضايا السودان

أمير بابكر عبدالله
تحيا مصر، أم الدنيا .. بل الأكثر وضوحاً ورسوخاً إنها أمنا نحن السودانيين. في التاريخ القريب، ما قبل الاستقلال، إنشغلت أحزابنا بالاتحاد مع مصر أو استقلال السودان. وكان صراعاً ساهمت فيه اللعبة الدولية (الاستعمارية) دورها للانحياز لخيار السودان للسودانيين. على الأقل كان بعض من السودانيين يرى إن على السودان أن يتبع مصر في ذلك الوقت، وبعض آخر لم يكن بعيداً عن هذا لكنها المكايدة السياسية والمنافسة هي ما جعلته يقف في الضفة الأخرى من هذا الرأي، ولا عزاء للسودانيين من عامة الشعب إن كانوا يريدون وطناً مستقلاً بذلوا من أجله الغالي والرخيص ليقف على أقدامه استقراراً وتنمية، وقبلهما استقلالاً من المستعمر.
مصر ظلت تمثل عقدة كبرى بالنسبة للسياسة السودانية، ولا شك في أنها تمثل منارة حضارية ومعرفية ليس بالنسبة لنا فقط، بل للإقليم وللعالم في بعض جوانبها. لكن ما يخصنا نحن، ولم نسطع مغادرة محطة الدوران حوله، ودائماً ما ترتبط قضاينا بقضاياها، أو هكذا نريد نحن في كسل فكري وسياسي. كيف يمكن تفسير غرقنا في الحالة المصرية التي ظلت تمثل حالة هروب بالنسبة لنا، هروب من التزاماتنا في مزيد من النضال من أجل التعاطي مع قضايانا السودانية.
صناع الرأي والسياسيون (معارضون وأصحاب سلطة) إنكبوا على وجوههم ينقبون في الحالة المصرية، يحللونها ويشرحونها كل حسب هواه ورغباته. تباكى أصحاب السلطة في السودان – في مشهد غرائبي- على الديمقراطية التي أهدرت في مصر وأريق دمها في رابعة النهار، وباتوا مشغولين بهاجس استعادة الديمقراطية والحريات فيها أكثر من (الملك)، وكثير من المعارضين لا يغادرون شاشات الفضائيات المصرية ينفسون عن أنفسهم فيما عجزوا عن تحقيقه في واقع حياتهم السياسية، وكأنهم وجدوا غايتهم في بؤس حال الإخوان في مصر وفشلهم في إدارة الدولة ليؤكدوا بها حقيقة فشل إخوانهم في السودان غير المسبوق الذي قارب الربع قرن ولسان حالهم يقول "أها شفتو! ما قلنا ليكم"ن وكأن الشعب لا يدري ما هو الحال والمآل الذي صار إليه.
لم تغادر الحالة المصرية، التي باتت الشغل الشاغل للسودانيين، حتى لقاء رئيس الجمهورية ورئيس حزب الأمة القومي. وجاء تصريح الأخير مشحوناً ومهموماً بالحالة المصرية أكثر منه بقضايا السودان التي سوف تجري الاتصالات اللازمة لإبرام الاتفاقيات المنشوده حولها بمشاركة أجهزة الحزبين. ولعل متن التصريح الذي جاء في خمسة أسطر يكشف مدى غرقنا في الحالة المصرية وهروبنا من الحالة السودانية. التصريح يذكر أن اللقاء تطرق للحالة المتأزمة في مصر، وكأنما الحالة السودانية المؤجلة والمرتبطة بإجراء الاتصالات اللازمة (متى؟) ليست متأزمة وتتطلب التحرك السريع والسريع جداً. واتفق الطرفان على ضرورة قيام السودانيين بدور أخوي يجنب مصر المواجهات وسفك الدماء والحرب الأهلية ويحمي وحدتها الوطنية ويكفل الحريات العامة والديمقراطية. تستحق مصر أن تبذل من اجلها الجهود بلا شك، لكن كما يقول المثل "باب النجار مخلع".
كنا نتوقع ان يخرج تصريح أكثر قوة واكثر تحديداً في تناوله للقضايا السودانية وأزماتها المستفحلة، خاصة فيما يتعلق بقضية الحرب والسلام التي بدأ ينفلت عقالها من السياسي إلى القبلي، وبقضايا الحريات والديمقراطية في السودان التي لا يجدي بدونها الحديث عن اتفاق بعدم عزل أحد من، أو سيطرة أحد على، قضايا الحكم والدستور والسلام، والسلام. كنت نتوقع ذلك بدلاً من الغرق في الحالة المصرية التي نقول عنها "أهل مكة أدرى بشعابها" وعليكم النظر إلى شعابكم علكم تدرون ما بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق