أمير بابكر عبدالله
ليس هناك أجمل من استغلال الفرصة حين
تجيئك من حيث لا تحتسب، هذا ربما يعبر عن غرفة العمليات التي يمكن أن تكونها
الحكومة الأرترية أو حزبها الحاكم سريعاً بناءاً على التطورات التي تشهدها الساحة،
فقد جاءتها فرصة من السماء بالتوتر المصري الأثيوبي الأخير بسبب سد النهضة الذي
بدأ العمل فيه فعلاً. بالنسبة لأرتريا في حربها ضد أثيوبيا لم تكن هناك من ثغرة
إقليمية تنفذ بها إلى جبال أديس لترد أو تبادر بصفع عدوها اللدود الكائن هناك، سوى
الصومال وحالة السيولة السياسية والعسكرية التي تشهدها، وهذا بسبب حالة العداء
المستمرة او المتقطعة بينها والدول المحيطة بها والتوترات التي تطرأ من فترة إلى
أخرى. لكن مع إثيوبيا الوضع مختلف فالعداء لم ينقطع منذ تفجره، بالرغم من توقيع
اتفاق الجزائر وكلاهما ينتهز الفرصة ليسدد الضربة للآخر، وبالأحرى لا ينتظرها بل
يعمل على خلقها.
حاولت إرتريا الدخول من بوابة الصومال
بدعمها للجناح المناوئ لإثيوبيا ومحاولة جر القوات الإثيوبية لحرب استنزاف طويلة
الأمد بالوكالة داخل الأراضي الصومالية طوال العقد الماضي، وهي تدرك حجم المصالح
الإثيوبية في الصومال والتهديدات التي تؤثر فيها بسبب عدم استقرار الوضع في
الصومال أو في حال وصول جناح غير موال لها إلى سدة الحكم هناك. أرتريا التي تحاول
حكومتها جاهدة وأد المعارضين لها ومن بينهم الإسلاميين، وهددت أركان استقرار حكمها
في المدن وعلى الحدود مع السودان العديد من التفجيرات التي نفذها –حسب ما تذيع هي
نفسها- جهاديون إسلاميون- لا تتروع في دعم الإسلاميين الجهاديين في الصومال إن كان
ذلك يخدم مصالح معاركها مع إثيوبيا.
الآن وفي إطار حرب التصريحات النارية
الصادرة من مصر تجاه إثيوبيا وسد النهضة الذي شرعت بالفعل في بنائه، يتململ القادة
الأرتريون على كراسي السلطة أملاً في انتهاز هذه الفرصة. فأرتريا هي ليست الأقرب
إلى إثيوبيا من مصر، بل هناك دول أكثر قرباً إلى قلب إثيوبيا وتحيط بها، لكنها
الأقرب لإستخدامها في شكل الحرب القادمة بين مصر وإثيوبيا، وواحدة من أشكال الحرب
التي يمكن أن تمارسها مصر على إثيوبيا هو زعزعة إستقرارها لاستحالة المواجهة
العسكرية المباشرة.
لن تجد مصر دولة أكثر استعداداً من أرتريا
للدخول في مواجهة مباشرة مع إثيويبا سوى أرتريا إن هي قررت ذلك. فبقية الدول
المجاورة ليست لديها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الدخول او لعب دور بروتس لصالح
مصر في معركتها الجديدة مع إثيوبيا. السودان يدرك –مع واقع الشروع في بناء السد
ومع حصته من مياه النيل التي لا يستثمرها كلها أصلاً ومع جملة مشكلاته وحروبه
الداخلية يعرف –وقد جرب من قبل- خطر فتح جبهة جديدة مع إثيوبيا القريبة من ولاية
النيل الأزرق، هذا غير دورها الإيجابي الذي تلعبه في مسألة السلام في السودان .
جنوب السودان لا يختلف عن شماله في تشابه التوصيف السابق، بل علاقاته الممتدة مع
إثيوبيا أكثر عمقاً من علاقاته مع مصر ومصالحه على واقع الأرض وجغرافيتها ترجح
موقفه المعارض لأي توتر مع إثيوبيا، وكذلك كينيا لن تجازف بعلاقاتها مع إثيوبيا في
سبيل دعم مصر في حرب لا مصلحة لها فيها وجيبوتي كذلك تخشى من تهديد استقرارها إذا
مالت لطرف وهي أصلا ليست من دول حوض النيل. الصومال لا يمكن لمصر ان تمسك بأولها
من آخرها في ظل السيولة السياسية والعسكرية التي تكتنف طبيعة الدولة أصلاً، إلا
إذا لجأت إلى خيار دعم المجاهدين الشباب هناك على زعم أنهم إخوانهم في الإسلام
وهذا له مخاطره المحسوبة لدى دوائر الإخوان المسلمين في مصر.
لم يبق سوى أرتريا، بواقعها السياسي
والاقتصادي وازماتها الداخلية، لكي تلعب تمتطي صهوة الجواد المصري الغاضب. فأرتريا
في إطار حربها مع إثيوبيا ستستخدم، وتقبل باستخدام، كل الكروت التي يمكنها أن
تزعزع إستقرار جارتها وعدوها اللدود. أكثر ما يشتهيه قادة الدولة في أرتريا الآن
هو دعم كاف يسمح لهم بالوقوف على أقدامهم في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي
تمر بها بلادهم، ويا حبذا لو جاء هذا الدعم لينشط عملياتهم الحدودية ضد إثيوبيا أو
حتى اختراقات مهمة على تلك الجبهة تبرر لهم –أمام شعبهم- استمرار الوضع الاقتصادي
السياسي المتأزم وحالة الانتهاك المستمر للحريات وحقوق الإنسان.
مصر وفي إطار الضغط على الموقف الإثيوبي،
وفي سبيل إضعافه لإستمرار المصالح والامتيازات المكتسبة طوال الفترة الماضية فيما
يخص حصته من مياه النيل، لن يجد من يلجأ إليه سوى إرتريا ودعمها بحيث تزعزع
استقرار إثيويبا لخلق واقع يمكن من خلاله فرض شروطها، فكل الزوبعة التي تثيرها
الآن سببها الظاهر هو سد النهضة الإثيوبي لكن عينها على اتفاقية عنتبي وتحالف دول
حوض النيل الخرى التي يمكن بالفعل ان تؤثر على حصتها في مياه النيل وإثيوبيا طرف
أصيل من جملة تلك الدول وفي اتفاقية عنتبي.
طبيعة الحكم في أرتريا وظروفه طوال
السنوات الماضية يجعله الحصان الرابح للعب الدول المصري بالوكالة، فأرتريا رغم
انفتاحها العريض والكبير على منفذ بحري مهم هو البحر الأحمر، لكنها بسياساتها التي
اختططها أغلقت كل المنافذ عليها ووضعت نفسها في حصار إقليمي ودولي يتطلب الخروج
منه دفع استحقاقات لا يرغب قادتها في الإيفاء بها وإلا فقدوا السلطة. فهي بالتالي
ستلجأ إلى مسامبر تنفيس تخفف من وطأة ذلك الحصار الذاتي، مثل تقديمها خدمات لمصر
في هذا الظرف حتى وإن نشبت حرب مواجهة ميدانية ستكون مطارات أرتريا رهن إشارة
الطيران الحربي المصري. وسيرحب القادة الارتريون بأي طلبات تقدمها مصر إذا كانت
ستصب في مصلحة استمرار حربها مع إثيوبيا ويمكن أن تسهم في عدم استقرارها ويفت من
عضدها.
فهل تشد الأيام القادمات تقارب ملحوظ في
العلاقات المصرية الإرترية؟ ربما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق