مفارقات .. الصعود والهاوية

أمير بابكر عبدالله

بينما كان العجوز (الشاب) الياباني "يوتشيرا ميورا" البالغ من العمر ثمانين عاماً يعاند قلبه الذي أجريت لها أربع عمليات، بعدد غرفه، ليقهر جبل إيفرست مصراً على بلوغ قمته وتسلق قرابة التسعة كيلو مترات ليحقق ذلك، كان هناك عجوز سوداني يبلغ من العمر خمسة وسبعين عاماً، تكابده آلامه وأشجانه وأحزانه وينهش روحه اليأس بعد أن بلغ من العمر عتيا، يهوي من أعلى قمة في كبري الحلفايا إملاً في أن يبتلعه النيل (ويرتاح من هذه الدنيا) منتحراً.
بينما كان العجوز الياباني الثمانيني، برغم سنه ورغم العمليات الجراحية الأربع التي أجريت لقلبه، يسعى جاهداً ليحصل على لقب أكبر إنسان يتسلق أعلى جبل في العالم، ويرافقه ثلاثة من مواطنيه من بينهم إبنه وستة من دولة نيبال، يملأه الأمل وحب الحياة وكسر مسلمات لزوم السن، كان عجوزنا السبعيني يغالب تردده بعد أن أغلقت الأبواب أمام وجهه وبلغ به اليأس مبلغاً، كل ذلك ولا يرافقه أحد ، بل وحيداً ووحيداً ينظر إلى أسفل كبري الحلفايا قبل أن يقرر القفز إلى أسفل.
نجح الياباني العجوز "ميورا" في تحقيق حلمه، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يصعد فيها إلى أعلى قمم الجبال في العالم، فقد فعلها العجوز الياباني قبل خمس سنوات، ونجح أخيراً في انتزاع اللقب كأكبر إنسان يصل إلى أعلى قمة "إيفرست". وبمجرد وصوله للقمة قام “ميورا” بالاتصال، عبر الأقمار الصناعية، بوسائل الاعلام ليعلن النبأ ويوجه التحية لأسرته التي دعمته ومحبيه في العاصمة اليابانية “طوكيو”، معبرا عن سعادته بتحقيقه ذلك الإنجاز.

لكن ماذا فعلت الأقدار بعجوزنا، حتى عندما قرر الموت لم ينجح، أحبطت محاولته الانتحار بواسطة قوات الإنقاذ النهري بالدفاع المدني بولاية الخرطوم. وإليكم ما ورد في متن الخبر حسب المكتب الصحفي للشرطة "إن قوات الانقاذ النهري، بالدفاع المدني ولاية الخرطوم تمكنت من انقاذ أحد المواطنين يبلغ من العمر 75 عاماً ألقى بنفسه من أعلى كبري الحلفاية قاصداً الانتحار، وشاهدت قوة الانقاذ النهري المنتشرة على ضفتي النيل هذا المواطن يلقي بنفسه على النيل وسارعت اليه بقارب انقاذ فتمكنت من انقاذه بعد أن شارف على الغرق حيث أجريت له الاسعافات الأولية على الشاطئ وتم الاتصال بشرطة النجدة التي أسعفته الى المستشفى وتم اتخاذ الاجراءات القانونية ضد المذكور بقسم شرطة الحتانة بعد أن تعافى وخرج من المستشفى.
قبل الإجراءات القانونية علينا أن نقرأ ما كتبه أحدهم في الأسافير عن مقولة سيدنا عمر رضي الله عنه، (لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها : لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر). سأل الكاتب: ـ عن ماذا يتحدث ؟ .. عن خوفه من أن " تتعثر ".؟ لكنها لم تتعثر حتى الآن .إنه الشعور بالمسؤولية تجاه " بغلة ".. فكيف سيكون شعوره تجاه الإنسان .ثم تساءل ـ من أي شيء يخاف عليها ؟ .. من الموت ؟! لا. كان يخاف عليها أن " تتعثر " لأنه قصّر في مسؤولياته ولم يمهد لها الطريق .ثم يواصل:ـ وأين كانت هذه " البغلة "؟ هل كانت على أطراف " يثرب"؟ لا. كانت هناك في أقاصي دولته .. في العراق .. ولكنه يظل مسؤولاً عنها .لله درك يا ابن الخطاب، في سطر صغير، تقدّم ألف درس كبير: كيف يكون التعامل مع الرعية؟ وما الذي تعنيه المسؤولية؟

بكل تأكيد التحية للدفاع المدني ليقظتهم، لكن من المسؤول عن ما يضطر رجل تجاوز السبعين للتفكير في الانتحار بأن يلقي بنفسه من أعلى (كبري) الحلفايا؟ ومن الذي سيتخذ الاجراءات القانونية ضده؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق