أمير بابكر عبدالله
الدكتور إبراهيم غندور أمين العلاقات
الخارجية بحزب المؤتمر الوطني يجيد غزل الحديث، مثله مثل غيره من قادة المؤتمر
الوطني، كما يجيد نقض غزله قبل أن تستريح جملة من تصريحاته (وتتوهط) ليهضمها ذهن
المتلقي أو القارئ. ورغم حديثه الذي أطلقه في ندوة قبل أيام في الخرطوم الذي حذر
فيه بأن محاولة دخول العاصمة عبر السلاح بأن الدماء ستسيل حد الركب (حسبما ورد في
بعض الصحف)، يفهم منه أن دخول أي مدينة أخر ممكن وأن لا دماء ستسيل حد الركب، أي
يا جبهة يا ثورية وبأسلحتك يمكنك أن تدخلي كل المدن إلا العاصمة.
سنتجاوز عن هذا القول، وما يمكن أن يفهم
منه من دلالات سالبة لا يجوز أن تصدر من سياسي حصيف، إلى النصح الذي قدمه إلى
المعارضة في ذات الندوة. فبعد أن قطع الطريق أمام مطالبة المعارضة بتكوين حكوم
قومية أو إنتقالية، نصحها بالاستعداد (المبكر) للانتخابات وعدم الجلوس على (الرف)،
معلناً عن تنظيم الانتخابات في موعدها. وهذا قول جيد على الصعيد الاستهلاكي، يصلح
أن يقوله الدكتور متحدثاً في ندوة يقيمها حزبه تحت سماء الخرطوم المفتوح له وحده
دون غيره من الأحزاب.
لن نتحدث عن الدستور ولا عن حكومة
انتقالية أو قومية (فهذا ترف بالنسبة للمعارضة) التي عليها كما قال الدكتور أن
تعمل بشكل دؤوب وأن تصبر على ذلك إذا كانت ترغب في السلطة، بل سنذهب مباشرة إلى
العمل بنصيحة الدكتور ونرى الحريات السياسية والندوات الجماهيرية للأحزاب تنطلق
أصوات محدثها في سماء الخرطوم، وستقيم القوى المعارضة مهرجاناتها واحتفالاتها في
الميادين العامة، ويمكن أن تتزامن مع احتفائية للمؤتمر الوطني في ميدان مجاور،
وستجد تلك الأحزاب فرصتها في كافة وسائل الإعلام المملوكة (للدولة) لطرح برامجها
ورؤاها للجماهير. سيكون المناخ الحر مهيئاً للصحف لتنقل فيه الرؤى المختلفة دون
وصاية ولا خوف من أن تطالها عقوبات تعطل مسيرتها.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن حديث الدكتور
غندور الذي نقلته بعض الصحف بأنه مع إتاحة الحريات، تلك الحريات التي أشرنا إليها
أعلاه، وإنه مع إقامة الأحزاب لندواتها السياسية في الهواء الطلق، لكن بكل أسف كل
ذلك غير متاح ولا ممكن لأن معلومات أمنية توفرت لدى الدكتور أشارت إلى أن هناك
أسباباً أمنية منطقية تحول دون ذلك.
المنطقي والطبيعي أن تكون نصيحة أمين
العلاقات الخارحية للمؤتمر الوطني للمعارضة بالاستعداد للانتخابات العامة في ظل
ظروف أمنية تسمح لها بممارسة نشاطها بكل حرية، لا ان يطالبها في ظل تلك الظروف
بالاستعداد لها، كيف يكون ذلك إلا إذا أرادها أن تمارس نشاطها خارج البلاد حتى
يحين موعد الانتخابات التي قطع بتنظيمها في موعدها. الظروف الأمنية (فيما يخص حرية
النشاط السياسي الحزبي) التي أشار إليها الدكتور ليست وليدة الظروف الراهنة ولا
علاقة لها بحالة الاستنفار الحالية، بل هي ظلت ملازمة للحياة السياسية منذ ما بعد
الانتخابات السابقة، بل وقبلها كان التضييق على الأحزاب لقطع الطريق بينها
والجماهير.
نصيحة الدكتور غندور للمعارضة بالاستعداد
للانتخابات، لا تخرج عن إدعاء قيادات المؤتمر الوطني باتاحة الحريات وأن ليس هناك
ما يمنع من ممارسة المعارضة لنشاطها السياسي في (الهواء الطلق) لكن عليها الحصول
على تصديق من الجهات الأمنية المسؤولة، وطبعاً هناك أسباباً أمنية تحول دون ذلك. ولذلك
ستظل المعارضة السياسية في رف غندور دون أن (تستعد) كما نصح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق