ضبط ممارسة مهنة

أمير بابكر عبدالله
وضعت يدي على خدي متأملاً دعوة (هيئة علماء السودان) السلطات لضبط مهنة المساج، بدعوى "أن بعض ضعاف النفوس جعلوا من عمل المساج مهنة يمارسون من ورائها أعمالاً ضارة ولا أخلاقية"، حسب الخبر الذي أوردته وكالة سونا للأنباء. وسبب الحيرة التي جعلتني أبدو قي ذلك الوضع هو المنطق المعوج في دعوة الهيئة إلى ضرورة قيام حملات تفتيش على الأماكن المصرح بها وإغلاق الأماكن غير المصرح بها لما في ذلك من أضرار وانتهاك لحرمات دينية .
المنطق المعوج الذي تراءى لي ليس في ما قاله الأمين العام للهيئة، في رده على سؤال (سونا) حول الحكم الشرعي للمساج، والذي أبدى فيه رأيه بأن لا حرج فيه (أي يجوز شرعاً) طالما المساج هو علاج بالضوابط الشرعية وتحت إشراف طبيب أو خبير (مأمون) ووضع شرطاً "الا يمارس هذا المساج رجال على نساء ولا نساء على رجال"، لكن في تشديده على ضرورة تفتيش الأماكن المصرح بها بعد كل الشروط التي وضعها وشرعن بها مهنة المساج.
أتفق مع المنطق الذي يقول بإغلاق الأماكن غير المصرح بها، لأنها أولاً تخالف القانون وثانياً لا تخضع للمعايير العلمية المطلوبة وتفتح الباب لكل من هب ودب في غياب أطباء وخبراء العلاج الطبيعي، وبالتأكيد الحديث هنا ليس عن المساج كترف يمارسه أبناء الطبقات الميسورة كنوع من (البرستيدج).
أن تصدق لأحدهم برخصة لممارسة مهنة المساج، يعني أنه استوفى شروط الترخيص من اختصاصي ومكان ومعدات لازمة، وهي مثلها مثل المهن الأخرى تخضع للتفتيش بواسطة السلطات المختصة. المطاعم تخضع للتفتيش والعيادات تخضع للتفتيش والصيدليات تخضع للتفتيش وغيرها من المهن، لكنه تفتيش مهني متعلق بالمهنة وشروطها وليس التفتيش بالدوافع التي ألمح إليها الأمين العام ل(هيئة علماء السودان) وهو أن بعض ضعاف النفوس جعلوا مهنة المساج مهنة يمارسون من ورائها أعمالاً ضارة ولا أخلاقية.
بهذا المنطق وتلك العقلية، مهنة المساج يمكن أن تفتح الباب أمام الممارسات التي على ضوءها اجتمعت الهيئة واطلقت دعوتها، وبذات المنطق والعقلية يمكن تحت مظلة أي مهنة أن تحدث الأضرار وتنتهك الحرمات الدينية، وعلينا أن نطلق حملات التفتيش عليها من هذا المنطلق. فمثلاً عيادات الأطباء وفقاً لهذه العقلية والمنطق ستكون مرتعاً خصباً للكثير من الممارسات التي تتصورها الهيئة، ولا أحد يدري ما يدور خلف الغرف المغلقة، ودون الهيئة الطبيب الذي قال إنه أجرى أكثر من عشرة آلاف عملية إجهاض وسجن، زالصيدليات يمكن ان تبيع المخدرات، ومكاتب المحامين ومكاتب الشركات الخاصة يمكن ان تكون شقق مفروشة مؤقتة، ووووو، هل ستلاحق السلطات كل هؤلاء باعتبار أنهم مصدر شبهات وتحت دعاوى إمكانية أن يمارسوا تحت مظلة مهنهم أعمال مضرة وتنتهك الحرمات الدينية؟
أما أن "لا يمارس المساج رجال على نساء أو العكس"، فهذا ذر للرماد على العيون، فطالما اعترفت (هيئة علماء السودان) بأن المساج مهنة، فهي يجب أن تحاط بالاحترام الكافي لها مثلها مثل المهن الأخرى طالما قالت الهيئة إنه لا حرج فيها شرعاً، وهو أمر طالما ربطته الهيئة بالعلاج يكون مثله مثل ممارسة طبيب لعمله أمام المريض رجلاً كان أم إمرأة، فالهيئة بذلك تفتح باباً للشبهات يمكن ان يطال كل المهن.
كان منطقياً أكثر لو دعت الهيئة السلطات إلى إغلاق كافة الأماكن المصرح بها وغير المصرح بها، واقتصار ممارسة العلاج الطبيعي على المستشفيات العامة، (وبرضو ما مضمون) لو كانت النفوس ضعيفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق