عقاب وزير بالضربة القاضية

أمير بابكر عبدالله
المبارزة بالسيوف من علامات الثقافة الروسية القديمة خاصة وسط مجتمعات النبلاء، فالإهانة أو الخيانة لا مجال لمحوها إلا بمبارزة بين الغريمين. وهي قد تقود إلى أن يلقى أحدهما حتفه كما جرى لشاعر روسيا الكبير الكسندر سرقييفتش بوشكين، الذي لقي مصرعه في مبارزة لكن ليس بالسيوف كما جرت العادة وإنما بممارسة لعبة الموت او الروليت، وهي أن يقف الغريمان في مواجهة بعضهما ليوجها فوهات مسدسيهما كل إلى الآخروتنطلق الرصاصة التي قد تصيب أو تخطئ. ولم تخطئ رصاصة البارون الفرنسي جورج دانتس غريم بوشكين الذي كان يغازل زوجته الجميلة ناتاليا، وعدها بوشكين إهانة كبرى لذلك طلب مبارزته.

تطور الأمر الآن إذ لم يعد السيف أو المسدس هو الوسيلة ولم تعد الإهانة مدعاة للمبارزة، بل الملاكمة وتقصير وزير في جمهورية الشيشان الواقعة في قلب روسيا الآن، فقد دعا رئيس الرئيس الشيشاني رمضان قديروف وزير الرياضة في حكومته سلام بك اسماعيلوف للملاكمة لمعاقبته على الحلبة على تقصيره وعدم صيانته للمبنى الذي يضم مقر وزارته. وقال الرئيس الشيشاني بعد المباراة التي جرت لجولتين وأبرح فيها وزيره لكماً وهزمه شر هزيمة، قال إن معاقبة تقاعس المسؤولين الرسميين بهذه الطريقة فعال جداً.
في السودان لدينا إرث ثقافي يمكن تطبيقه ليكون عقاباً للوزراء الذين أذاقونا الأمرين من جراء فشل سياساتهم وتبعاتها على المواطن، فالبطان مثلاً بدلاً من أن يوضع في رف التراث ولا نشاهده إلا لماماً في بعض المناسبات في البلدات القصية واختفى من خارطة لوازم الدلوكة، وتلك الرعشة التي تصيب الرجل عندما تلتقط أذناه زغاريد النساء أو هو يلقي بنظرة لاهبة إلى محبوبته من وراء ظهر الجمهور ثم يشرع في خلع ملابسه ولا يهمد جسده المتفض إلا عندما ينزل السوط على ظهره ليطالب بالمزيد.
لكن وزراءنا كلهم (ما شاء الله عليهم) لا يقصرون في اداء واجباتهم، فكل الخطط الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وضعت بعناية فائقة من قبل مختصين وخبراء، قادوا البلاد خلال ربع قرن من الزمان ووضعوها في مصاف الدول التي يشار إليها بالبنان. وفعلاً من من العالمين الآن لا يعرف السودان؟ ونفذ الوزراء تلك الخطط والبرامج (بالحرف) فما عاد من بين أفراد الشعب جائع ولا محتاج، ولا عاد من بين المرضى من لا يلقى من يداويه أو دواءه، ولا عاد من هو في سن التعليم يعاني من الرسوم والجبايات سواء في مرحلة الأساس او الثانوي أو الجامعي، والمزارعين في نعيم. كل الأمور تمام التمام. ولا يحتاج أحد من أفراد الشعب إلى أن ينهب أو يسرق أو يرتشي لأنه لا يحتاج إلى ذلك، وكيف يحتاج إذا كان كل وزرائه يؤدون واجباتهم على أحسن ما يكون، وكيف يمكن أن يجد الرئيس حجة ليأخذ سوطه ويقف وسط الحلبة ليضع لسان السوط على ظهر أحد وزرائه بسبب خذلانه له ولبرامج وسياسات الدولة. أو من كثرة إخفاقهم لم يعد البطان يجدي نفعاً، إذاً علينا ابتكار وسائل أنجع لمعاقبة وزرائنا المقصرين في أداء واجباتهم. لو، ولو تفتح عمل الشيطان، استخدم البطان في معاقبة الوزراء لوصلنا إلى مصاف الدول الكبرى.
قالوا، والله أعلم على صدق قولهم، أن الدكتاتور نميري كان يضرب وزرائه إذا ما قصروا في أداء واجباتهم، إن صدق هذا القول يكون قد سبق الرئيس الشيشاني في ذلك مع فارق أن الأخير لجأ إلى حلبة الملاكمة في مباراة يفترض فيها تكافؤ الفرص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق