في البحث عن التسامح الديني

أمير بابكر عبدالله
خطبة صلاة الجمعة لا مجال فيها لأخذ ورد ولا مجادلة الإمام فيما يقول إلا بعد انتهاء الصلاة، هكذا جرت السنة المتبعة. ولأنها كذلك فإن ما يرد فيها على لسان الإمام الخطيب يستلزم العلم والتفقه والفطنة، فسرعان ما تنفض الصلاة فينتشر المصلون يبتغون من فضل الله وفي أذهانهم عالق ما ورد على لسان الخطيب.
بعض الخطباء الأئمة، وفي محاولة منهم للظهور بمظهر الحريص على الإسلام أكثر من غيره، يقع في أخطاء فادحة من يلتفت إليها إما ان يقاطع الصلاة خلف ذلك الإمام أو لا يحضر الصلاة من بدايتها ويفوت الخطبة ويكتفي بأداء الركعتين ويغادر عقب انتهائهما.
في الجمعة الأخيرة وقف الخطيب ليتحدث عن تفسير آية من آيات القرآن الكريم وهي "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ولكي يدعم تفسيراته ويعززها بوقائع على الأرض تناول ما قال إنه رواية عن الخليفة العباسي المأمون عندما حضر إلى مجلسه يهودي بليغ العبارة جزلها، فسأله له المأمون "أأنت يهودي؟" قال "نعم" فقال له المأمون "إسلم يا رجل" فرفض اليهودي وعادر، ليعود الرجل بعد سنة لمجلس الخليفة وهو مسلم يتحدث ويحسن الحديث في الفقه. فسأله المأمون "ما الذي هداك للإسلام؟" فقال الرجل "نسخت من التوراة ثلاث وزدت ونقصت فيها كيف أشاء وبعتها لليهود فاشتروها، ونسخت من الإنجيل ثلاث زدت ونقصت فيه كيف أشاءؤ وبعتها في الكنيسة فاشتروها، نسخت من القرآن ثلاث فزدت ونقصت فيه وحاولت بيعها لعلماء مسلمين فرفضوا شراءها، فعلمت إنه كتاب محفوظ فأسلمت".
تعامل الخطيب الإمام مع الأمر، مثلما يتعامل كثيرون، وكأن الكتب الأخرى غير منزلة من الله سبحانه وتعالى وإنه غير قادر على حفظ ما أنزله على الرسولين موسى وعيسى عليهما السلام. وهو في معرض حديثه لإثبات قدرة الله تعالى في حفظ القرآن الكريم من التحريف والزيادة والنقصان، يذهب بطريقة أخرى إلى عدم قدرته في حفظ ما عداه وكله كلام الله. كل ذلك يأتي في إطار الحرب على اليهود والمسيحيين والهجوم عليهم دون تفريق بين الإيمان بكتب الله واعتبارها محرفة وفيها زيادة ونقصان وأن البشر قادرون على التلاعب بها دون القرآن، مع إن الله تعالى يدعونا للإيمان به وبرسله وكتبه واليوم الآخر، من منكم لا يحفظ الآية قبل الأخيرة من سورة البقرة؟
تلك الحرب، الغير مبررة دينياً، على الديانات الأخرى مرتبطة بتفسيرات بشرية. والقرآن لم تطله تحريفات ولا زيادة او نقصان في نصوصه وآياته، لكن التحريف والزيادات والنقصان تأتي من محاولات التفسير الغائي الذي يحقق أغراض بشرية دنيوية. وما الحرب على "النصارى" واعتبار مشاركتهم في كل شيء حرام مطلق إلا  مثال ساطع على ذلك، والله تعالى يقول لنا في سورة المائدة "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـاتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ"، وتلك دعوة ربانية صريحة ومدخل للتسامح الديني يتجاهلها أصحاب الأغراض الدنيوية عن قصد أو جهل، سيان.
إن الدين المعاملة، أو كما قال الإمام محمد عبده عندما ذهب إلى الغرب "وجدت هناك إسلاماً ولم أجد مسلمين، وعندما عدت إلى الشرق وجدت مسلمين ولم أجد إسلاما".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق