نقد .. الموت عشقاً

ارتبطت صورة فقيد الشعب والوطن، الاستاذ محمد ابراهيم نقد، في أذهان الجيل الرافض للنظام المايوي وانغرست داخل وجدانه عقب انتفاضة أبريل 85. وبدا نجماً هادياً في سماء الوطن، لجماهير عريضة، وهو يستقبل الهواء فوق (سطح الأرض) بعد طول اختفاء، أثناء الفترة الانتقالية. لم يأخذ وقتاً طويلاً ليتمدد في وجدان الناس، فمنذ اللحظة الأولى للقاءاته الجماهيرية أثبت أنه أكثر ارتباطاً بالشعب وقضاياه رغم حياة الاختفاء القسري، وتجاوز كل الهائمين على سطح الأرض مساومين ومترددين.

نيله ثقة جماهير الديوم والعمارات، ودخوله الجمعية التأسيسية عضواً ضمن أعضاء الحزب الشيوعي، لم يكن له علاقة بالمنطقة التي اختارته، فهو قد نال ثقة قطاعات واسعة تؤهله للترشح في أي دائرة والفوز بها. وهو ما أثبته لاحقاً، فرغم إن الشيوعيين تحت قبة البرلمان لم يتجاوزوا اصابع اليد الواحد إلا أن قيادة نقد للمعارضة الديمقراطية جعلها توازي (حجماً نوعياً) للمنتقلين إلى مقاعد المعارضة البرلمانية بين لحظة وأخرى من الكتل الأخرى.
جسد الاستاذ نقد صورة عملية وحية للشيوعية في السودان، وقدرتها على النفاذ إلى جوهر القضايا، ومثل حائط صد لكل الذين يتربصون بها بعشقه للوطن وتفانيه في خدمته وخدمة مواطنيه. سيرته التي نعرف جانباً يسيراً منها تعكس ذلك، فقد كان مستعداً للموت من اجل قضيته دون أن يرمش له جفن، أو تراوده لحظة تردد.
يمكن القول دون خوف إن الشيوعية كأيديولوجيا ومنهج تفكير وتحليل وفرت للاستاذ نقد، مثلما وفرت لكثيرين، القدرة على قراءة الواقع وأكسبته منهجاً في الحياة مثل آخرين، لكنه بطريقته وقدراته أكسبها احترام الآخرين. جعل منها، ومن حزبه الذي يهتدي بها، سيرة للنضال ونكران الذات والتضحيات، تجاوزت كل محاولات النيل منها، وأضعفت حجج مكارثية السودان من القضاء عليه. ما أبقى الشيوعية وحزبها هو تجييرها لصالح قضايا الوطن والمواطنين، على عكس كثير من الأحزاب الشيوعية في المنطقة التي كان همها تجيير قضايا أوطانها لصالح الحزب.
الاحترام الذي أكسبه الاستاذ نقد لفكرته ولحزبه، ظل يمشي على قدمين، حتى غلاة المتشددين والمتطرفين يقفون عاجزين عن تشويه سيرته، وهنا لا يدخل (المرضى النفسانيون) في جملة المتطرفين وغلاة المتشددين، فأولئك مكانهم المصحات النفسية أما المتشددين فيمكن التحاور معهم طالما كانت الغاية الوطن. فلا أحد يستطيع القول بفساد نقد ولا بإنحلاله الأخلاقي ولا بوصوليته على صعيد الممارسة الأخلاقية، تلك (أكعاب) أخيل التي يتصيدونها لإنفاذ السهم بسمه في الجسد. ولا يستطيع واحد منهم التشكيك في وطنيته وحبه للسودان وعشقه لأبنائه على صعيد الممارسة السياسية.
كل ذلك جعل الذين يحاولون مخالفة قول الرسول الكريم "إذكروا محاسن موتاكم" عاجزين وحائرين أمام حالة اسمها نقد، مهما حاولوا النبش في سيرته لا يجدون ما يعينهم. وها هو الشعب يحمله على اكتافه ويشيعه إلى مثوى آخر بالفعل والقول والكلمة، الشعب بكافة قطاعاته، وكما قلت حتى من بينهم المتطرفين والمتشددين المدركين لقيمته وحقيقته. عليك الرحمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق