على خلفية الانفصال

جاء في الأنباء أن منسوبي قطاع الجنوب بالمؤتمر الوطني أعلنوا خروجهم عليه إنضمامهم للحركة الشعبية مع إعلان الدولة الجديدة دون شروط، في الوقت الذي يقاتل فيه أعضاء الحركة الشعبية في الشمال بكافة الوسائل لتأكيد حقهم الدستوري والقانوني في البقاء كحزب سياسي ضمن الأحزاب في الشمال منذ إعلان نتيجة الاستفتاء على حق المصير للجنوب.
موقفان متناقضان يمكن قراءة الكثير على خلفيتهما، فالموقف الأول الذي ذهب فيه أعضاء المؤتمر الوطني يعبر عن حالة الإنفصال في أقصى تجلياتها. يدرك أعضاء قطاع الجنوب أن (المشروع الحضاري) لن يجد التربة ولا المناخ الذي يمكن أن يترعرع فيه، بل سيجدون وضعاً سياسياً وواقعاً اجتماعياً رافضاً لهم.
فهم كأبناء جنوب ساهموا بشكل أساسي في محاولة تثبيت أركان مشروع سياسي ظلت بقية القوى السياسية شمالاً وجنوباً تعارضه، فإذا كان (المشروع الحضاري) قد أثبت فشله في إدارة الدولة وفي الاعتراف بالتنوع والتعدد، وخلق من الأزمات ما خلق على امتداد السودان، وقاد في خاتمة المطاف إلى أن يختار الجنوبيون الانفصال بنسبة 98%، كيف لهم أن يعودوا إلى الجنوب وهم يحملون ذات البذرة التي لن تنبت خيراً.
كما يعبر هذا الموقف عن هشاشة حزب السلطة وتضعضعه بعيداً عن أجهزة الدولة، فهؤلاء كانوا يعيشون على قوة حزب السلطة باستغلاله لأجهزة ومؤسسات الدولة. بالتأكد سيجدون الوضع مغايراً هناك، إذ في السلطة حزب آخر هو الحركة الشعبية التي سرعان ما أعلنوا الإنضمام إليها ونفضوا يدهم عن المؤتمر الوطني. ولأن أحزاب السلطة تقوم على المصالح وتشابكها ودفاعها للبقاء في مقاعدها بكل السبل والوسائل، وليس على مبادئ وأهداف تظل تدافع عنها في أي موقع كانت، ظل اهتمامها بالبناء والتنظيم مقتصراً على ما يحقق لها ذلك. النتيجة الطبيعية هي فك الإرتباط والمصالح مع قطاع الجنوب لأنه لن يفيد مستقبلاً في المحافظة على تلك المصالح، وعليهم التعامل مباشرة مع الحزب الحاكم. على النقيض تماماً من هذا الموقف ما اتخذه الحزب الشيوعي عندما أعلن عن عقد مؤتمر للحزب في الجنوب وانتخبت قيادته ليصبح الحزب الشيوعي في جنوب السودان موجوداً طالما ظلت هناك برامج ورؤى يستطيع التبشير بها والدفاع عنها، ويعتقد أنها الأصلح لشعب الجنوب.
الموقف الموازي لما قام به قطاع الجنوب في المؤتمر الوطني، هو موقف قطاع الشمال وجنوب كردفان والنيل الأزرق في الحركة الشعبية الذي جاء بعد إتخاذ الخطوات التنظيمية اللازمة لفك الإرتباط مع الحركة الشعبية الأم لتصبح الحركة الشعبية في الشمال حزباً قائماً بذاته. وهي ترى أن مشروع السودان الجديد الذي تتبناه ما زال هو المخرج لأزمات السودان، وهو المشروع الذي سيخرج بالسودان من واقع التردي والتخلف إلى مشارف الرقي والتقدم بين الأمم.
على عكس المؤتمر الوطني في الجنوب فإن الحركة الشعبية والقوى الديمقراطية لديها قاعدة عريضة طالما ظلت مؤمنة بالتحول الديمقراطي وبسط الحريات وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية. كما أن هذه القوى ليست احزاب سلطة، إي لم تكونها السلطة كما هو حال المؤتمر الوطني، بل نشأت في بيئة طبيعية مما يجعلها تحتمل كل الظروف والمناخات أثناء مسيرتها، وبقاؤها ليس مرتبطاً بالسلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق