سيرة الإنسان في الأديان.. الجنس وسيلة/غاية - 12

الفصل الرابع -1- هابيل وقابيل

غابت سيرة آدم بعد هبوطه إلى الأرض عن النص القرآني، مثلما غابت عن مرحلته التي قضاها في الجنة سوى تلك اللحظة التي دخل فيها الجنة وتلك التي أكل فيها من الشجرة المحرمة، ومعه زوجه "التي لم يفصح عن اسمها"، وإن جاءت بعض ملامح سيرته الأرضية في الكتاب المقدس، من خلال شجرة النسب التي بدأت جذورها من صلب آدم وحواء، وفي أساطير دينية أخرى.

الصورة: مواقع إلكترونية

كذلك غابت سيرة أبناء آدم من صلبه عن النص القرآني، سوى تلك اللحظة التي سبقت قتل قابيل لأخيه وجاءت سيرة مختصرة جداً مرسخة لطقس ديني سيلازم مسيرة الإنسان وعلاقته بربه على مر الأزمان، ألا وهو القربان، أو كما جاء في سورة المائدة "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27). ولكن تلك الخاتمة التي انتهت بالقتل، بدأت بالفتنة والغواية وغريزة الجنس، وهو ما يرد في كثير من التفاسير ويرد كذلك في كثير من الأساطير، دون ذكر لمقدمات عن ولادتهما ونشأتهما وعلاقاتهما. وكذلك دون ذكر لسيرة المرأة، بعد هبوط آدم وزوجه للأرض، والتي من شأنها أن تكون المكمل لآلية خلافة الله للأرض وطبيعة العلاقة بينها وبين الرجل، خاصة أن الخلافة تستلزم التناسل لاستمرارها، والتناسل بطبيعة الحال يستلزم ممارسة الجنس بحكم الطبيعة البشرية، وهو ما أدى لهبوط آدم وزوجه من الجنة بعد أن انكشفت سوءتهما "عورتهما" بحسب النص القرآني، ما يقود إلى استنتاج سريان رعشة الشهوة الجنسية في روحيهما ليؤديا الدور المرسوم لهما في إعمار الأرض بالذرية.

النص القرآني لم يذكر اسمي "هابيل" و"قابيل" صراحة، وإنما جاء ذكرهما دون أسماء "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ ...."، ولكن المفسرين للنص القرآني أخذوا برواية العهد القديم من الكتاب المقدس "التوراة" والذي ذكر ابني آدم صراحة "هابيل-هايين" و"قايين" مع ذكر شجرة النسب حتى نوح عليه السلام. 

ولم يفصح القرآن الكريم عن أسباب قتل قابيل لهابيل، ولكن التفاسير للنصوص القرآنية أخذت برواية التوراة، ففي تفسير ابن كثير للآية (27) من سورة المائدة "وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف، أن الله تعالى قد شرع لآدم عليه السلام، أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن قالوا: كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دميمة، وأخت قابيل وضيئة، فأراد أن يستأثر بها على أخيه، فأبى آدم ذلك إلا أن يقربا قربانا، فمن تقبل منه فهي له، فقربا فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل فكان من أمرهما ما قص الله في كتابه".

وفي رواية ابن جرير "قال السدي - فيما ذكر -عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس- وعن مرة عن ابن مسعود -وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم; أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتى ولد له ابنان يقال لهما: قابيل وهابيل وكان قابيل صاحب زرع، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما، وكان له أخت أحسن من أخت هابيل وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال: هي أختي، ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحق أن أتزوج بها. فأمره أبوه أن يزوجها هابيل فأبى، وأنهما قربا قربانا إلى الله عز وجل أيهما أحق بالجارية، وكان آدم عليه السلام قد غاب عنهما، أتى مكة ينظر إليها، قال الله عز وجل: هل تعلم أن لي بيتا في الأرض؟ قال: اللهم لا. قال: إن لي بيتا في مكة فأته. فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت. وقال للأرض، فأبت. وقال للجبال، فأبت. فقال لقابيل فقال: نعم ، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك. فلما انطلق آدم قربا قربانا، وكان قابيل يفخر عليه، فقال: أنا أحق بها منك، هي أختي، وأنا أكبر منك، وأنا وصي والدي. فلما قربا، قرب هابيل جذعة سمنة، وقرب قابيل حزمة سنبل، فوجد فيها سنبلة عظيمة، ففركها فأكلها. فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي. فقال هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين."

وفي رواية أخرى لابن جرير "وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول: إن آدم أمر ابنه قينا أن ينكح أخته توأمة هابيل، وأمر هابيل أن ينكح أخته توأمة قين، فسلم لذلك هابيل ورضي، وأبى ذلك قين وكره، تكرما عن أخت هابيل ورغب بأخته عن هابيل وقال: نحن ولادة الجنة، وهما من ولادة الأرض، وأنا أحق بأختي -ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول: كانت أخت قين من أحسن الناس، فضن بها عن أخيه وأرادها لنفسه، فالله أعلم أي ذلك كان -فقال له أبوه: يا بني، إنها لا تحل لك، فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه. فقال له أبوه: يا بني، قرب قربانا، ويقرب أخوك هابيل قربانا، فأيكما تقبل قربانه فهو أحق بها، وكان قين على بذر الأرض، وكان هابيل على رعاية الماشية، فقرب قين قمحا، وقرب هابيل أبكارا من أبكار غنمه -وبعضهم يقول: قرب بقرة -فأرسل الله نارا بيضاء، فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قين، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله".

وفي رواية أخرى مختلفة "يذكر الثعلبي في كتابه (عرائس المجالس) وهو كتاب عن قصص الأنبياء في الباب التاسع في قصة قابيل وهابيل رواية عن الإمام جعفر الصادق تحوي فكرة مختلفة عن طريقة زواج أولاد آدم وتكوين النسل البشري وهذا نصها:

قال معاوية بن عمار: سألت جعفراً الصادق أكان آدم زوّج ابنته من ابنه؟ فقال: معاذ الله، لو فعل ذلك آدم لما رغب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كان دين آدم إلا دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إن الله تعالى أهبط آدم وحواء إلى الأرض وجمع بينهما، وولد له بنت فسماها عناق، فبغت، وهي أول من بغى على الأرض، فسلط الله عليها من قتلها، فولد لآدم على أثرها قابيل ثم ولد له هابيل، فلما أدرك قابيل أظهر الله تعالى جنية من الجن يقال لها عمالة في صورة إنسية وخلق لها رحماً، وأوحى الله إلى آدم أن زوّجها من قابيل فزوجها منه، فلما أدرك هابيل أهبط الله إلى آدم حوراء في صورة إنسية وخلق لها رحماً وكان اسمها تركة، فلما نظر إليها هابيل ورمقها أوحى الله إلى آدم أن زوّجها من هابيل ففعل، فقال قابيل: يا أبت ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به منه؟ فقال: يا بني إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، فقال: لا، ولكنك آثرته علي بهواك، فقال له: إن كنت تريد أن تعلم ذلك فقربا قرباناً فأيكما يقبل قربانه فهو أولى بها من صاحبه. ، وتحتوي كتب الشيعة على روايات تؤيد هذا المعنى عن الإمام جعفر الصادق. على الرغم ما يُنسب لجعفر الصادق لكن الروايات بنظر المسلمين تخالف ما جاء في القرآن: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا." ويكيبيديا.

في التوراة نجد القصة اشتملت على بعض تفاصيل بنيت عليها ما تلاها من روايات، وإن غابت عنها ما جاء في الروايات الموازية للنصوص من أسباب للخلاف بين الأخوين وقتل أحدهما للآخر، والمتمثل في الرغبة في الحصول على إمرأة بعينها ومعادلة عنصر الجمال والقبح التي افتتحت عالم جريمة القتل بسبب الشهوة والجنس. 

جاءت القصة في سفر التكوين الاعداد من (12) الى (14) "وعرفَ آدمُ امرأتَهُ حوّاءَ التي حملت منه بولد اسمه قايينَ. وقالت: "اقتنيتُ رجُلاً مِنْ عندِ الربِّ’". ثمَّ عادت فوَلَدَت أخاهُ هابيلَ. وكانَ هابيلَ في حياته راعيًا للغنمِ، وكانَ قايينُ مزارعا في الأرضِ.  وحدث ذات يوم أنَّ قدم قايينَ قربانا للرب بعضا من أثمار الأرضِ. وقدَّم هابيلُ قربانا أيضًا من أبكارِ غنمهِ ومن سِمانِها. فتقبل الربُّ من هابيلَ قُرْبانِهِ، ولم يتقبل من قايينَ قُربانهِ. فاغتاظَ قايينُ جدًّا وسقطَ وجهُهُ. فقال الرَّبُّ لقايينَ: ‘"لماذا اغتَظْتَ؟ ولماذا سقطَ وجْهُكَ؟ إن أحسَنتَ لارفعنك؟ وإن لم تُحْسِنْ لاطردنك خسيئا لتخسئن بخطاياك، ولتنغمس فيها الى نهايتك"." العهد القديم.

وبينما كان الأخوان في الحقلِ يوما قامَ قايين على هابيلَ أخيهِ وقتلَهُ.  فقالَ الرَّبُّ لقايينَ: ‘‘أينَ هابيلُ أخوكَ؟’’ فقالَ: ‘‘لا أعلمُ! أحارسٌ أنا لأخي؟’’ فقال: ‘‘ماذا فَعَلْتَ؟ صوتُ دَمِ أخيكَ صارِخٌ إليَّ من الأرضِ. فالآنَ ملعونٌ أنتَ منَ الأرضِ التي فتحَتْ فاها لتَقبَلَ دمَ أخيكَ من يدِكَ. متى عمِلتَ الأرضَ لا تعودُ تُعطيكَ قوَّتها. تائهًا وهاربًا تكونُ في الأرضِ". العهد القديم.

بقراءة المشهد الكلي منذ غواية الشيطان لآدم وزوجه كما جاء في النص القرآني، أو غواية الحية لحواء التي أغوت بدورها آدم كما جاء في النص التوراتي، وإلى أن تروي لنا التفاسير الموازية للنصوص المقدسة حكاية "هابيل" و"قابيل" وسبب خلافهما وقتل الأخير للاول لذلك السبب، تتكشف لنا مركزية فكرة الجنس في مسيرة الإنسان لارتباطها بأمر إلهي شاء أن تكون آلية إعمار الأرض وخلافتها هي الذرية وشاء أن تكون آلية خلق الذرية هي التناسل بين بني البشر "الرجل والمرأة" عن طريق الجنس. "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ..".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق