باحث إسرائيلي ينتقد ربط التطبيع مع السودان بالحكم المدني

انتقد مدير مركز القدس للشؤون العامة، د. يشيل ليتر، رهن الدول الغربية وإدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان بانتقال الأخيرة إلى الحكم المدني الكامل. ووصف ليتر هذا الاتجاه بالوهم والخطأ الذي ستكون عواقبه وخيمة، موضحاً بأن أفريقيا ليست أمريكا والسودان ليس سويسرا.

الصورة: موقع المركز

وقال في مقال نشره موقع المركز على الانترنت في 22 فبراير، إن السودان أصبح يسق طريقه نحو الديمقراطية ببطء بفضل قادته العسكريين الذين يقودونه في هذا الاتجاه، بعد أن كان بيدقاً في سياسات القوى العظمى، وطالب بعدم تثبيط خطوات العسكريين ودعمها، محذراً من الاحتجاجات التي يقودها التقدميين باسم القيم الغربية التي ستدفع بالسودان إلى الفوضى والحرب الأهلية.

ووصف زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين للخرطوم مؤخراً بأنها تقدم كبير نحو توقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل والسودان، وقال غن كوهين وضع اللمسات الأخيرة على نص الاتفاق الرسمي بين البلدين بعد أن تم تجميد العلاقات "بسبب المعارضة الداخلية وعدم الاستقرار السياسي". وطالب د. يشيل بعدم التغاضي عن هذا التطور أو التقليل من شأنه.

مدير المركز الإسرائيلي، الذي يوصف بأنه سفارة إسرائيل العالمية للدبلوماسية البحثية، أبدى مخاوف بلاده من تزايد التطرف الإسلامي والإرهاب في أفريقيا جنوب الصحراء بما في ذلك السودان، وأشار إلى أن ممولي هذا الإرهاب، وخاصة إيران، يرغبون في انتقال فوري وغير متوازن وبدون الإجراءات التحضيرات اللازمة، ويريدون عودة الخرطوم إلى لاءاتها الثلاث. وقال في مقاله، إن السودان لم يشتهر بحروبه الأهلية واضطراباته السياسية لعقود فحسب، بل كان عاصمة الرفض العربي الإسلامي فيما عرف باسم قرار الخرطوم في 1 سبتمبر 1967 الذي خرج عن اجتماع الجامعة العربية الذي انعقد في العاصمة السودانية بعد حرب الأيام الستة، وكان القرار هو "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل". وشدد على أن التطبيع مع السودان سيمنع حدوث ذلك مرة أخرى.

وقال ليتر إنه بتوقيع اتفاقيات أبراهام فإن غيوم لاءات الخرطوم السوداء بدأت في التلاشي، بعد أن ظل شبحها كامناً رغم توقيع معاهدات السلام مع مصر والأردن، وازدهرت التجارة والسياحة والتعاون الاستراتيجي والعسكري مع البحرين والإمارات والمغرب. وأضاف بأن دخول السودان الكامل في اتفاقيات أبراهام هو بيان له دلالاته القوية لرفض الرفض العربي وسيكمل إلقاء، ما أسماه، إفتراءات الخرطوم في 1967 في سلة مهملات التاريخ.

ليس مجرد قرار رمزي

المقال اعتبر  الموقف السوداني ليس مجرد قرار رمزي، وإنما سيترتب عليه قطع الطريق أمام شحنات الأسلحة الإيرانية إلى "الأراضي المحتلة"، بعد أن كانت موانيء السودان تمثل بوبات عبور لنقل الأسلحة عبر القوراب إلى سيناء ومن ثم إلى غزة أو بالشاحنات عبر الصحراء إلى قناة السويس

وقال إن التطبيع المتزايد مع إسرائيل سيعزز بشكل كبير التعاون العسكري بين البلدين. وسيعزز جمع المعلومات الاستخبارية والقدرات التشاركية ويمكّن الجيش السوداني من التعامل مع تهريب الأسلحة الذي يمر عبر موانئه ومياهه الإقليمية والحد منه في نهاية المطاف. يمكن أن يؤدي هذا التعاون إلى قطع أحد المصادر الرئيسية للأسلحة عن الجماعات "الإرهابية" المدعومة من إيران في غزة. مشيراً إلى أن منع وصول الأسلحة إلى أيدي من أسماهم بـ"أمراء الحرب في غزة" سيجبرهم على التركيز على التنمية الاقتصادية للقطاع ورفع مستوى المعيشة لسكان غزة بدلاً من الهجمات الصاروخية المتقطعة على إسرائيل.

أكثر من مصلحة إسرائيلية

اعتبر  مدير المركز الإسرائيلي، إن تعزيز التعاون العسكري السوداني مع إسرائيل والمساعدة في تأمين حدود السودان البحرية وحماية سيادته هي مصلحة إقليمية، "بل هي مصلحة دولية، وليست مصلحة إسرائيلية فقط"، مشيراً إلى اهمية البحر الأحمر كمعبر للتجارة العالمية ولنقل الطاقة. وقال إن استمرار عدم الاستقرار في السودان يزيد من احتمالات التدخل الإيراني على الضفة الغربية للبحر الأحمر وتغلغل إيراني أكبر في إفريقيا ودول القرن الأفريقي على وجه الخصوص. مع التهديد المستمر لسيطرة الحوثيين المدعومين من إيران على اليمن.  

د. يشيل ليتر يرى في مقاله إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لن يساعد فقط السودان في كفاحه ضد التطرف ولكن أيضاً في تحقيق التوازن في التفاوض على مصالح القوى العظمى الإقليمية. وقال إن إسرائيل حافظت، بصفتها حليفاً قوياً وقديماً للولايات المتحدة، على علاقة عمل مع روسيا في المجال العسكري، مشيراً إلى إن أفضل مثال على البراعة التكتيكية الإسرائيلية في التعامل مع روسيا يُرى بسهولة في سوريا، حيث تتواجد البلدان في مناطق طيران عسكري متضاربة وصالح سياسية متناقضة ولكنهما تجنبا التصعيد الجاد والمواجهة المباشرة. وفي هذا الصدد أشار إلى تحذير السفير الأمريكي في الخرطوم للحكومة السودانية من مغبة العواقب المترتبة على استمرار التفاوض مع روسيا في إنشاء قاعدتها العسكرية على البحر الحمر.

وحول قضية "سد النهضة" قال الباحث الإسرائيلي إن بلاده في وضع فريد لتسهيل المناقشات بين الأطراف الثلاثة. "منذ تأسيسها، أدارت إسرائيل قضايا الأمن المائي مع جيرانها قبل اتفاقيات السلام وبعدها. وقد حافظت على علاقات دبلوماسية مع مصر وإثيوبيا على مدى عدة عقود. إن إدراج السودان في اتفاقيات إبراهيم يعزز مكانة إسرائيل في المنطقة كمحاور بناء وشريك جدير بالثقة".

علاوة على ذلك ، بحسب المقال، تمتلك إسرائيل التكنولوجيا الرائدة عالمياً في مجال تنقية المياه وتكنولوجيا تحلية المياه. يمكن لهذه التقنيات المبتكرة أن تكمل عمليات سد النهضة من خلال تطبيقها على مياه البحر الأحمر واستخدام مياه الصرف الصحي في الصناعة والزراعة. وشدد على أن السودان يحتاج إلى الاستقرار للتوسط والترابط مع جيرانه المباشرين في الشمال والجنوب. "إن تطبيع السودان مع إسرائيل دبلوماسياً هو أحد وسائل هذا الاستقرار المتنامي والوعد المستقبلي".

إسرائيل كمبتكر زراعي 

ذهب المقال إلى أن الزراعة هي أحد أشكال التعاون الواعدة بين السودان وإسرائيل، إذ "لا تزال الزراعة قطاعاً حيوياً في الاقتصاد السوداني ، حيث يعمل ما يقرب من 80 ٪ من مواطنيها في الزراعة. يشكل انعدام الأمن الغذائي مصدر قلق بالغ ، حيث إن ندرة الغذاء وسوء التغذية الحاد يهددان الاستقلال الاقتصادي للبلد والاستقرار الاجتماعي". وأشار إلى أن المشكلات الرئيسية التي تواجه إنتاج الغذاء في السودان تتمثل في عدم كفاءة البنية التحتية للري ونقص المياه وتدهور الأراضي. وهي مجالات البحث والمعرفة "التي تتفوق فيها إسرائيل وتحرص على تصديرها". وقال إن إسرائيل يمكن أن تساعد كذلك في تطوير الري في الأراضي البكر  في سياق اتفاقيات إبراهيم. وعدد المقال قدرات وإنجازات إسرائيل للتقنيات الحديثة في هذا المجال على المستوى العالمي، إلى جانب ريادتها في مجال البحوث الزراعية وانتاج البذور "المحسنة".

المصدر: https://jcpa.org/article

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق