أمير بابكر عبدالله
كان أولى بإسلاميي السودان بمختلف
مسمياتهم أن يهتبلوا فرصة (الكارثة) التي حلت بمواطني السودان جراء السيول
والأمطار، بأن يقتربوا قليلاً من هذا الشعب ليعرفوا حجم معاناته التي لم تبدأ
بالسيول التي جرفت منازلهم ولا تنتهي بحصاد آلة القتل في دارفور التي فاقت في
يومين فقط ما حدث في مصر. لكنهم آثروا نصرة القضية (الإخوانية) في مصر وكأن ارواح
السودانيين التي حصدها السيل والقتال والمنازل المنهارة ليست بأهمية تلك التي فاضت
في مصر بدءاً من ميدان النهضة وانتهاءاً بميدان رابعة العدوية.
لا أعتقد أن جملة من الذين تظاهروا أمام
السفارة المصرية في الخرطوم، حاملين صوراً للرئيس المصري المعزول ورافعين شعارات
(لا للدكتاتورية نعم للديمقراطية)، أو من اكتفوا بإصدار بيانات الشجب يعلمون إن
(كان) رابعة العدوية ذكراً أم أنثى وما هو تاريخ والإرث الذي خلفه هذا الإسم في
عالم التصوف الإسلامي، مثلما لا يفرقون بين (الدكتاتورية والإنقلابات العسكرية)
الموصومون بها في تاريخهم البعيد والقريب، وبين (الديمقراطية) التي ينادون
بتطبيقها خارج البلاد ويتجاهلون مطلوباتها ويغضون الطرف عنها كلياً في داخل
البلاد.
رابعة العدوية صوفية تبتلت في محراب الله
سبحانه وتعالى وهامت حباً في خالقها لدرجة أن نقل عنها أنها قالت "يا رب إنني
لا أعبدك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك ولكن حباً فيك" وهي في ذلك تؤكد
أنها مدينة لله بالعبادة لأنها أمته سواء أكرمها بدخول الجنة أو جازاها بالنار.
ومن أقوالها التي نقلت عنها وتكشف مدى حبها لله عز وجل:
عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك واغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك
فــأما الــذي هــو حب الهــــوى فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك
فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لـــي ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك
أما الذين صدعونا بأن "لا دنيا قد
عملنا" فقد كشفت لنا السنون والإيام كم أن الدنيا مبلغ هم كثيرين منهم، ولا
ينبئك مثل خبير، وهل تحتاج مظاهر الترف والبنايات التي استطالت وحب السلطة لخبير
ينبؤنا بها؟ الغريب في الأمر إن هذا رأي (إخوان مصر) في إسلاميي السودان "أن
لا هم لهم سوى جمع المال" رغم أنهم جميعهم في (الهوا سوا).
إن تحدث او رفع او أصدر هؤلاء الإسلاميين
شعارات غير المطالبة ب(الديمقراطية لا الديكتاتورية) (إي شعارات) مثل تلك التي
يرفعونها عادة في وجوهنا، وكأننا لسنا بمسلمين، مثل الحاكمية لله والإسلام هو الحل
والشريعة هي غايتنا (ربع قرن من الحكم ولا تزال الشريعة هي غايتهم)، غن رفعوا تلك
الشعارات في وجه ما جرى في مصر لاتسق مع وجدانهم وافكارهم ولصدقنا واحترمنا
مقاصدهم. أما أن يرفعوا شعارات ويصدروا بيانات تنادي بعودة الديمقراطية في مصر
فذلك مدعاة للسخرية أكثر منه مدعاة للدهشة، وإن رفعوا تلك الشعارات في ميدان رابعة
العدوية (قبل أن ينفض السامر) لكان ذلك مفهوماً أما أن يجري ذلك في شوارع الخرطوم،
حيث تحكم الحركة الإسلامية وموالوها قرابة الربع قرن فذلك مدعاة للشفقة.
كانت (الكارثة) التي حلت بأهلكم في
السودان، ولا زالت، فرصة لتكتشفوا كم أنتم بعيدين عن هذا الشعب وقضاياه، وأن
تحاولوا الاقتراب منه لتعلموا حجم المعاناة وحقيقتها التي ظل يعيشها فيما كان
بعضكم سائحاً وبعضكم تائهاً وبعضكم ما زال سادراَ في غيه. أما والحال كذلك
ف"الناس في شنوّ!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق