"بين ليبيا والسودان والعراق واليمن.."

أمير بابكر عبدالله

لا تطرب كثيراً وتهتز جوانحك إن كنت ممن رقصوا طرباً يوما ما لهذه الأهزوجة، فالأمر مختلف هذه المرة واللحن وإيقاعاته لا تناسب ذلك المزاج. إنها مجرد مقارنة للخطوات التي أودت بنظام العقيد القذافي في ليبيا، وإلى مصيره المعلوم، يوم أن تخندق في تصوراته لمآلات الأمور رغم المؤشرات البائنة بالإصرار على إزاحته مهما كان الثمن، وبين تلك الخطوات الجارية الآن فيما يخص السودان. ربما غرق البعض في قرار مجلس الأمن دون أن يهتم كثيراً بتلك الملاحظة المهمة. ولن نتناول هنا الشق الخاص ب"العراق واليمن" ليس لانتفاء أوجه المقارنة وإنما لاختلاف الخطوات.

في 17 فبراير من العام الماضي انطلقت الثورة الليبية ضد نظام القذافي، في ظل الأجواء الثورية التي انتظمت تونس ومصر. دارت ماكينة العالم وانفتحت شهيته لإنجاز حلم طالما اشتهى أن يتحقق "إزاحة القذافي من الوجود، وعلى أقل افتراض القبض عليه ومحاكمته". لم يأخذ تبلور القرار فيما يخص الشأن الليبي كثيراً، ولعبت بعض الدول العربية دورها على عجل لبلورة رأي عربي يستند إليه مجلس الأمن. لم يقصر القذافي في توفير المسوغات الكافية لذلك، فجاء القرار مجلس الأمن رقم 1970 سريعاً بتاريخ 24 فبراير، أي بعد أسبوع واحد فقطن مستنداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بحظر السفر لبعض القيادات على رأسها القذافي نفسه، وتجميد أصول القذافي وبعض أبنائه، وحظر توريد الأسلحة وأخيراً أحال مجلس الأمن الأوضاع القائمة في ليبيا منذ 15 فبراير إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها.
لم يعجب العرب المناهضين للقذافي كل هذا، وأيضاً فتح لهم القذافي الباب على مصراعيه، ليبادروا بدعوة مجلس الأمن لفرض حظر طيران على ليبيا تمهيدا للتدخل العسكرية، ولم يقصر مجلس الأمن فبعد شهر من اندلاع الثورة الليبية، 17 مارس، اتخذ مجلس الأمن قراره رقم 1973، وهو القرار الذي فرض فيه حظر الطيران كموضوع أساسي إضافة إلى موضوعات أخرى، الأمر الذي فتح أبواب السماء لتسقط قذائف الناتو وصواريخه لتشل قدرات القذافي العسكرية.
ولأن السودان بطعم أفريقي، جاءت خارطة الطريق التي رسمها الاتحاد الأفريقي لتمثل الجانب المقابل لقرارات الجامعة العربية بخصوص ليبيا، مع اختلاف في أن الجامعة تعاملت مع دولة واحدة بينما الاتحاد يتعامل مع دولتين "بينهما أمور متقاطعات". وها هو مجلس الأمن سرعان ما يتبنى الموقف الأفريقي مثلما اكتسب شرعية التصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حالة ليبيا في القرار 1970 الذي لا يشير إلى تدخل عسكري، إلى أن الحقه في غضون ثلاثة اسابيع بقراره 1973 ليتدخل الناتو. وهو الأمر الشبيه بالقرار 2046 بشأن دولتي السودان المكتسب لشرعية التصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ناقصاً التدخل العسكري، والذي هدد فيه مجلس الأمن بفرض عقوبات في حال لم تلتزم الدولتان او أي منهما بما جاء فيه.
كنت قد أشرت في كتابة سابقة أن جوبا لن تستطيع إسقاط النظام في الخرطوم إلا بموجب تدخل دولي، فهل تسير حكومة الخرطوم في ذات نهج القذافي؟ وهل تنجح جوبا في جرها إلى ساحات معركة جديدة لتواجه بعدها فرض حظر الطيران وقذائف وصواريخ الناتو؟ كل المؤشرات تقول أن انصار الحرب انتصروا في المرات السابقة في نسف كل المنصات المؤدية للسلام سوى بين الدولتين أو بين أبناء السودان، فهل يغامرون هذه المرة بعد أن دخل "الكلام حوش مجلس الأمن"؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق