أمير بابكر عبدالله
يمكن لفرقعة إعلامية أن تحدث خسائر مالية كبيرة في السوق يتضرر منها كثير من التجار وأصحاب الأعمال. والفرقعة تلك يمكن أن تطلقها جهات لها مصلحة في إحداث تلك الخسائر لاعتبارات سيادية دون مراعاة ما يترتب عليها من أضرار اقتصادية مستقبلية، دون أن تقدم معالجات حقيقية للأزمة الاقتصادية.
ما حدث في السوق الموازي للنقد الأجنبي في الأيام الماضية يكشف عن أزمة حقيقية، حاولت الدولة أن تتعامل معها بمنطق هجم النمر. وبني هذا التكتيك على تصريحات أطلاقها الرئيس البشير في لقائه التلفزيوني الشهير قبل أيام بأنهم سيستعينون ببعض الأصدقاء لدعم الاحتياطي في النقد الأجنبي، سبقتها تصريحات لمسؤولين في الدولة في ذات الموضوع. بعدها حملت الصحف في أبرز مانشيتاتها خبر القرض الملياري من دولة قطر للسودان، الأمر الذي قلب الأحوال رأساً على عقب بتراجع سعر صرف الدولار بسرعة غير مسبوقة إلى مستويات متدنية وصلت بين ليلة وضحاها إلى فرق واحد جنيه. (أي من كان لديه عشر آلاف دولار أمس خسر اليوم التالي مبلغ 10 ألف جنيه "10 مليون بالقديم").
هكذا لعب الإعلام دور ذلك الذي أزعج اهل قريته بصياحه "هجم النمر هجم النمر"، دون أن يتحقق من حقيقة القرض القطري الذي لم تعلن عنه الدولة، ولناخذ مثالاً الخبر الذي ورد في الأحداث "في وقت نقل فيه المركز السوداني للخدمات الصحفية عن مصادر لم يسمها أن السودان سيستلم غدا من الوفد القطري قرضاً بمبلغ 2 مليار دولار، وفي السياق ذاته كشفت مصادر لـ (الأحداث) أن القرض القطري سبق وأن استلمت منه الخرطوم مبلغ 400 مليون دولار." وما ورد في الأهرام اليوم "وبحسب مصادر (الأهرام اليوم) فإن وزارة المالية تسلمت أمس «الثلاثاء» القرض القطري لصالح مشاريع التنمية بولايات دارفور وإنشاء بنك دارفور، وأشارت إلى أن القرض سيسهم في توفير العملة الحرة للبلاد."
وفي محاولة للربط بين ما ورد عن القرض القطري وما أعلنه بنك السودان المركزي عن دعم البنوك والصرفات بمبلغ 35 مليون دولار أسبوعياً لتوفير النقد الأجنبي بها، سكتت الأنباء عن ما وراء ذلك المبلغ، فبدت المسألة وكأن القرض القطري هو الأصل. لكن وكالة رويترز للأنباء جاء فيها تصريح للناطق باسم بنك السودان حمزة عبد القادر بتاريخ 12 فبراير أن السودان باع منذ يناير ما مقداره ستة ونصف طن ذهب كان عائدها على الخزينة مبلغ 300 مليون دولار، وأضاف مباشرة بعد ذلك "ولذلك زدنا إمداد البنوك والصرافات بالدولار". وقال في ذات التصريح "ان السودان تمكن من الحصول على بعض المساعدات الأجنبية" لكنه امتنع عن توضيح، حسب رويترز.
من التصريح أعلاه تتضح بعض الحقائق، لعل أبرزها إن صادرات السودان هي الضمان الوحيدة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والدول المنتجة والقادرة على التصدير لا تتكالب على أن تكون عملتها تساوي الدولار "راس بي راس"، فدول مثل اليابان والصين تقاتل من أجل أن تكون عملتها بأقل سعر مقارنة بالدولار دعماً لمنتجيها.
لكن عندنا في السودان لا علاقة لاقتصادنا بالتخطيط والانتاج لذلك ترتجف أوصاله كلما هجم النمر، وبالتالي صارت المضادات الحيوية هي هجوم مضاد بأدوات غير فعالة، فها هو سعر الدولار آخذ في الازدياد بعد إنجلاء غبار القرض القطري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق