أمير بابكر عبدالله
قالت حكومتنا الرشيدة إن دولة الجنوب بسياساتها في التعامل مع قضية النفط، والذي أعقبته بقرارها الأخير بإغلاق انابيب ضخ النفط (بالضبة والمفتاح)، قالت إنها بذلك تسعى لخنق الاقتصاد السوداني وبالتالي خلق أزمة ومناخ للثورة على الحكومة في الخرطوم وإسقاط النظام.
تعليق شماعة الفشل الاقتصادي والتردي المعيشي والارتفاع الجنوني للأسعار وارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من خمسة جنيهات في السوق الموازي، على الجنوب شيء معيب وغير مسؤول، وغير شجاع وهروب من تحمل نتيجة السياسات التي قادت إلى الوضع الحالي. خاصة وأن "لو لا ثورة الإنقاذ لبلغ سعر الدولار عشرين جنيها" تلك المقولة التي اطلقها قادتها في العام 89، تكشف أنهم، حسب زعمهم، جاءوا لإنقاذ البلاد من أشياء ضمنها التدهور الاقتصادي. وبقياس سعر الدولار بمقاييس زمان الحقيقية وليست الوهمية نجده الآن بلغ خمسة الآف جنيه بدلاً من العشرين (بلغت الزيادة 25 ألف%)، تخيلوا؟!
إنها سياسات أخنق فطس هي التي قادت إلى خنق السودان وليست أنابيب النفط ومفاتيحها، فلم يكن حينها لدينا نفط ولا أنابيب تحمله ولا مصافي تكرير ولا غيرها، وكنا حامدين شاكرين لله. البترول كان موارده وعوائده تحت تصرف حكومتنا الرشيدة التي لم تتغير منذ اكثر من عشرين سنة، ماذا فعلت بتلك العوائد، وما هي المشروعات الانتاجية التي أنشاتها في بلد حدادي مدادي ينعم بالخيرات من كل نوع بهذه العائدات، وأين ذهبت تلك العوائد البترولية والأرض تسأل لماذا جف الزرع والضرع.
إنها سياسيات أخنق فطس هي التي خنقت الشعب السوداني، وشردت مئات الآلاف من الخدمة وأدخلت أكثر من 90% من الشعب تحت خط الفقر، ولا علاقة لذلك بالبترول، فحين بلغ الجوع والفقر بالناس كان البترول متدفقاً تنعم قلة بخيره ما ظهر منه وما بطن.
إنها سياسات أخنق فطس هي ما قاد إلى إنفصال الجنوب في الوقت الذي ذهب ببتروله وبتنا نتسول ما سيدفعه لنا مقابل استخدامه الأنابيب التي تمر بأراضينا، وفي أقوال أخرى نستولى عليها، في الوقت الذي ظللنا ننادي فيه بدولة تسع الجميع ويكون خيرها للجميع. لكن حكومتنا تعودت أن لا تستجيب لكل النداءات ولا كل الرجاءات إلا وهي مرغمة ومضطرة، فهي لا تقيس الأمور بموازين العقل وإنما بسياسة أخنق فطس.
ذهب الجنوب وأغلق انابيب النفط، وكأنما يريد ان يقول للجميع "علي وعلى أعدائي"، وهي بالفعل كذلك. فقط ما لم تفكر فيه حومتنا وهي تقول بأن الضرر سيقع على الجنوب أولاً وبدرجة أكبر من الشمال نتيجة هذا القرار، فقط ما لم تفكر فيه أن الجنوب عاش لعقود طويلة تحت نيران الحرب وأنغام الرصاص ومظلة الفقر والجوع ومشاكل الجهل والتخلف وهو في ظل السودان الموحد، ولن يضيره إذا ما ظل على هذا الوضع عشرة سنوات أخرى ناهيك عن خمس بدون عائدات بترول، حينها سيكون قد وجدت خيارات أفضل بدخول أطراف دولية اخرى، ويكون قد رتب أوضاع تصدير بتروله بموانئ أخرى.
إنها سياسات أخنق فطس هي ما ستضطر حكومتنا الرشيدة أن ترضى في النهاية بأسوأ الأوضاع صاغرة، في الوقت الذي كان يتوفر لها التعامل مع كل الأوضاع السياسية والاقتصادية بحكمة وعقلانية تحفظ للبلاد وحدتها وتدير شئونها بما يحقق التنمية والرفاه لشعبها، لكن هل أتت لذلك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق