الحزينة العامة

في سيرة الأستاذ عادل الباز التي فتحها الخميس الماضي، حول الشركات الحكومية، ختمها بققرة جاءت فيها كلمة واحدة لتصف كل المشهد الذي حاول نقله للقارئ الكريم. فقد أشار في تلك الفقرة إلى بعض الشركات "دون ان يسميها" التي تتعرض للتصفية الآن، وانها عملت بنجاح دون أن تستفيد من امتيازات الدولة. وأشاد بالقائمين عليها باعتبارهم من أفاضل الناس نافياً عنهم تهم الثراء الحرام والفساد،( وهي تهم تطل برأسها هذه الإيام بعد أن تقلص حجم الكيكة وستظهر في مقبل الأيام كثير من الحكاوي)، مؤكداً على سعيهم لتطوير تلك الشركات والدفع بعائداتها ل(الحزينة العامة).

يبدو أن سبابة الأستاذ عادل الباز ضلت طريقها بين لوحة المفاتيح (الكي بورد) لتنقر على حرف الحاء بدلاً عن حرف الخاء، وبالتأكيد لا يفوت على فطنة القارئ إنه كان يقصد (الخزينة العامة)، ولكنه أخطأ ليصيب خطأه المطبعي عين الحقيقة، ويخرج التعبير صادقاً ومعبراً بوضوح وجلاء عن مقصد مقاله. فقد ظلت خزينتنا العامة حزينة فعلاً جراء إنتهاك حقوقها باستمرار، وهي حقوق لو تعلمون عظيمة.

غير السلب والنهب من أموال الحزينة العامة على عينك يا تاجر، حين يجنب احدهم مبلغاً محترماً من الأموال المفروض توريدها إلى خزينة الدولة، وربما يكتشف في لحظة مراجعة ما وقد لا يكتشف أصلاً إذا كان (حريفاً) في طرق الإختلاس والتمويه وتغطية الفروقات التي تظهر سريعاً. غير هذا هناك ما اورده الأستاذ الباز وأظنه ما زال محتاراً، وهو امر الشركات التي نشأت باسم الدولة، ولا زالت الدولة تبحث عنها. هذه بالتاكيد لا تمر أموالها عن طريق شباك التوريد في الخزينة العامة.

لكن الأكثر وضوحاً ويثير حزن الخزينة العامة، هو كل الأموال التي تتحصل عليها العديد من الجهات بدون الأورنيك الرسمي المخصص لذلك، المعروف باورنيك (15) الذي يذهب ماله مباشرة لوزارة المالية. والأمثلة كثيرة على ذلك، فقط عليك ان تمر في الطرقات لتكتشف ذلك بكل سهولة.

لكن الكثر طرافة وحزناً، في ذات الوقت، هو امر موظف الدولة الذي يستفيد من موقعه وقدرته على (تدوير) أموال الدولة لصالحه دون ان يكتشف ذلك أحد لأنه حريص على رد الأصول قبل موعد المراجعة. فكان أحدهم موظفاً في مؤسسة حكومية في إحدى المدن، ومسؤول عن (الخزنة) حيث لا أحد يدخل مكتبه المحصن بأبواب وشبابيك من السيخ الغليظ، ما ان يدخل مكتبه في الصباح الباكر ليجمع كل المبلغ الموجود في الخزينة، وياتي تاجر من السوق ليستلمها خفية. وتدخل هذه الأموال في عمليات تجارية لتعود آخر النهار قبل الساعة الثانية عشر ظهراً موعد إغلاق (الخزنة)ن معززة مكرمة لتوضع في مكانها المخصص في سلام. ويجرد صاحبنا خزنته ويرفع التمام للمدير المالي وهو مبسوط من أرباح العملية اليومية.

هو خطأ مطبعي معبر أن تتحول خزينتنا العامة إلى (الحزينة العامة)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق